مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٥٧
بل إن محمدا الباقر ع يقسم البكاء كما قسم المعرفة وقد حفل أبوه كذلك من قبل فقال: فان سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة، وما من شئ إلا له جزاء إلا الدمعة، فان الله يكفر بها بحور الخطايا، ولو أن باكيا بكى في أمة لحرم الله تلك الأمة على النار.
وقد ربط محمد الباقر ع البكاء بالذكر صراحة فقال:
الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن، ولا تصيب الذاكر.
أي أن البكاء هو علامة متميزة من علامات الزهد، وهو يصفي القلوب، ويطهر النفس من الذنوب، وهو في إطلاق عنانه في المناسبات الإنسانية، الفجائعية فيض رحمة.
وهكذا كان الشريف الرضي تفيض نفسه عطفا ورقة وحنانا في كل مشهد انساني مأساوي، وفي كل ذكرى مؤلمة. لقد سمت نفسه بالتفجع، وتحررت من الغلظة والقساوة، فأصبحت تطير وتحط عند كل ذكرى، وقرب كل طلل.
ولم تكن روحه المتفجعة، لتستغرق في الانفعال الحزين المجرد، والذي قد يصيب البسطاء الطيبين من الناس، رقيقي الاحساس، بل كانت تغتذي من الحس التاريخي، لأن كل ظاهرة مرئية تحت بصر الشريف الرضي كانت تثير فيه الذكريات، والحدثان، وما جرى للناس، وللحواضر، وللأمكنة، من تغيير.
لقد انتبه بعمق إلى حركة الزمن في جدلية البقاء والزوال، مكتنها تلك الجدلية من أعمق أعماقها، ومن أول نقطة فيها، فعظمت نفسه، وتغربت، لأن الأمكنة ما بين نشوء وزوال، لم تكن قادرة على أن تستوعب جسمه الذي حمل روحا تطير دوما نحو العلى والأعالي، لكنها تسكب الدموع عطفا ورحمة، حتى محيت العيون من البكاء، كما قال:
محا بعدكم تلك العيون بكاؤها * وغال بكم تلك الأضالع غولها فمن ناظر لم تبق إلا دموعه * ومن مهجة لم يبق إلا غليلها دعوا لي قلبا بالغرام أذيبه * عليكم وعينا في الطلول أجيلها الاغتراب السياسي:
وسط الأحداث المروعة عاش الشريف الرضي، وشهد النزاع الدامي الطويل وامتلأت نفسه بالصور المرعبة، فمن خليفة يخلع ويسمل، إلى أمير يحتز رأسه، ومن والد تصادر أملاكه ويسجن، إلى صديق ينكب.
فما هي ردود فعل الشريف الرضي، وهو ما عليه من حسب ونسب؟.
فالشريف الرضي المولود في جانب الكرخ من بغداد، والذي ينتمي إلى أسرة عريقة في الحسب والنسب، وفي المجد. كان يرقب السلطة، وهو يحمل على هامه مجدا عتيدا راسخا. كما أنه كان يرقب البلبلة بعين انتمائه العربي الأصيل.
إنما بسبب مجده التاريخي، وعروبته نشأ اغترابه السياسي، وهو اغتراب الثوري الذي سئم الزمان المخادع، وأحابيله وغرائبه، محتفظا بروح التحدي والمقارعة، على ما هو عليه من قلق، وقد أبان عن ذلك مبكرا في قوله:
سئمت زمانا تنتحيني صروفه * وثوب الأفاعي أو دبيب العقارب مقام الفتى عجز على ما يضيمه * وذل الجرئ القلب إحدى العجائب سأركبها بزلاء إما لمادح * يعدد أفعالي وإما لنادب إذا قل عزم المرء قل انتصاره * وأقلع عنه الضيم دامي المخالب وما بلغ المرمى البعيد سوى امرئ * يروح ويغدو عرضة للجواذب وما جر ذلا مثل نفس جزوعة * ولا عاق عزما مثل خوف العواقب ألا ليت شعري هل تسالمني النوى * وتخبو همومي من قراع المصائب إلى كم أذود العين أن يستفزها * وميض الأماني والظنون الكواذب حسدت على أني قنعت فكيف بي * إذا ما رمى عزمي مجال الكواكب وما زال للانسان حاسد نعمة * على ظاهر منها قليل رغائب وأبقت لي الأيام حزما وفطنة * ووقرن جأشي بالأمور الغرائب توزع لحمي في عواجم جمة * وبان على جنبي وسم التجارب إن تطلع الشريف الرضي إلى مجال الكواكب يعبر عن آماله الكبرى، التي لم تكن مجرد كشف حال بسموه وعزه، بل كانت تطلعا سياسيا خدمه بكل طاقاته الروحية والشعرية، وبكل مزاياه السياسية والاجتماعية.
في البدء ثمة حقيقة شاخصة في شعر الرضي وهي اعتزازه بعلو مكانته وشرفه، وما المصائب والهموم التي حلت به إلا الثمن الذي لا بد للشرف من تقديمه، وقال في أبدع تعبير:
وضيوف الهموم مذ كن لا ينزلن * إلا على العظيم الشريف ولم تكن افتخارات الشريف الرضي معزولة على الأخلاقيات الاجتماعية، بمعنى أنه لم يتناول افتخاره على نحو شخصي فقط، بل هو يقرنه دوما بالقضية السياسية والأخلاقية التي استحوذت على ذهنه ونفسه استحواذا تاما.
فهو إذ يعتز بكرامته وكبريائه وحريته وعزته، يعلم الآخرين أيضا الاعتزاز بالكرامة، ورفض الذل. وتأخذ أشعاره في ميدان مكافحة الذل وعاره مكانة الحكم والمأثورات الغالية.
فهو يقول:
وموت الفتى خير له من حياته * إذا جاور الأيام وهو ذليل وكذلك يقول:
وكل فتى لا يطلب المجد أعزل * وكل عزيز لا يجود ذليل و:
لا تخلدن إلى أرض تهون بها * بالدار دار وبالجيران جيران و:
الحر تنهضه إما شجاعته * إلى الملم وإما خشية العار وتتناثر في قصائد الرضي درر الحكم باتجاه نشر مفاهيمه عن الحرية والكرامة، والشجاعة، ونبذ التزلف والخضوع، لكنه، وبقدر ما يتعلق الأمر به، كان يخاطب نفسه بصوت عال كثيرا مذكرا نفسه بالمعنى الخاص لدوره في الحياة. فهو الذي قال:
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370