مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٥٠
من حق أبيك، لأني حفظتك كتاب الله تعالى، فقبلها.
إن فترة سجن السيد أبي أحمد الموسوي في قلعة فارس امتدت من سنة 369 إلى سنة 376 وكانت التعاسة الأولى التي أججت كل ما هو كامن من شعور فجائعي، وتمردي في نفس الرضي، وأضيف إليها التعاسة الثانية وهي مصادرة أملاك والده وتعريض العائلة للعوز والحرمان.
ولعل إهداء الدار إليه من قبل أستاده إبراهيم بن أحمد الطبري خير بلاغ عن الفاقة التي آل إليها الشريف الرضي، على ما عرف عليه الشاعر من إباء، وترفع، وكبرياء رافقته منذ الصغر، ولم تخنه على الكبر. وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد: أما ترفع الشريف وأنفته وارتفاعه فوق المطامح المادية فمشهور، وقد عرف عنه أنه لم يقبل هدية من أحد. ولم ينس الشريف الرضي استفزاز المطهر بن عبد الله وزير عضد الدولة لوالده حين القبض عليه، إذ قال له: كم تدل علينا بالعظام النخرة مستهينا بذلك بالسلالة الطاهرة الشريفة، وأصلها الكريم. وقد كان للإهانة طعم خارق، لاذع، لم يتمكن الشاعر من نسيانه أبدا.
وتفعل المأساة فعلها الكبير في نفس الشاعر، وسنه فوق العاشرة بقليل، فيذكر أباه في قصيدة يقول فيها:
نصافي المعالي والزمان معاند * وننهض بالآمال والجد قاعد تمر بنا الأيام غير رواجع * كما صافحت مر السيول الجلامد وتمكننا من مائها كل مزنة * وتمنعنا فضل السحاب المزاود وما مرضت لي في المطالب همة * وأحداثه في كل يوم عوائد عوائد هم لا يحيين غبطة * بهن ولا تلقى لهن الوسائد ولله ليل يملأ القلب هوله * وقد قلقت بالنائمين المراقد وتعز فما كل المصائب قادم * عليك ولا كل النوائب عائد ينال الفتى من دهره قدر نفسه * وتأتي على قدر الرجال المكايد فدى لك يا مجد المعالي وبأسها * فعال جبان شجعته الحقائد فما تركت منك الصوارم والقنا * ولا أخذت منك الحسان الخرائد عزلت ولكن ما عزلت عن الندى * وجودك في جيد العلى لك شاهد بوجهك ماء العز في العزل ذائب * ووجه الذي ولى من الماء جامد فأنت ترجي الملك وهو زواله * بغير جلاد فيه وهو مجالد فلا يفرح الأعداء فالعزل * معرض إذا راح عنه صادر جاء وارد وما كنت إلا السيف يمضي ذبابه * ولا ينصر العلياء من لا يجالد ثم يحمل على المستفز الشاتم وزير عضد الدولة:
يدل بغير الله عضدا وناصرا * وناصرك الرحمن والمجد عاضد تعير رب الخير بالي عظامه * ألا نزهت تلك العظام البوائد ولكن رأى سب النبي غنيمة * وما حوله إلا مريب وجاحد ولو كان بين الفاطميين رفرفت * عليه العوالي والظبي والسواعد إن جرح الإهانة أثار فيه سخطا على الدولة ووزيرها، ولذلك انطلق التحدي شعرا، وعرض بالخليفة العباسي، ولوح له بعظمة الفاطميين في مصر، وكان ذلك يومئذ من المحظورات.
وأضاف في قصيدته:
وما والد مثل ابن موسى لمولد * قريب تجافاه الرجال الأباعد حمى الحج واحتل المظالم رتبة * على أن ريعان النقابة زائد فاقبل والدنيا مشوق وشايق * وأعرض والدنيا طريد وطارد وساعده يوم استقل ركابه * أخوه وقال البين نعم المساعد هما صبرا والحق يركب رأسه * عشية زالت بالفروع القواعد تفرد بالعلياء عن أهل بيته * وكل يهاديه إلى المجد والد وتختلف الآمال في ثمراتها * إذا أشرقت بالري والماء واحد إن حب الشاعر لأبيه تجسيد مكثف لعدة أشكال ودرجات من الحب، فهو حب الابن للأب، وحب التلميذ للأستاذ، وحب المؤمن بزعامة الزعيم للزعيم، وحب الذات للأنموذج الذي تسعى إلى أن تسير على هداه وتكون بصورته. ففي قرارة نفس الشريف الرضي ترعرع طموح مشروع في أن يكون زعيما كأبيه.
فتفتق الحب عن أكثر من أربعين قصيدة مدح لأبيه.
ويشير زكي مبارك إلى أن أشعار الشريف الرضي في مدح أبيه تنقسم إلى ثلاث طوائف: الطائفة الأولى في التوجع لأبيه وهو سجين، والطائفة الثانية في تهنئة أبيه بالخلاص ورد أملاكه إليه، والطائفة الثالثة في تهنئته بالأعياد بعد أن لان الزمان. ولكل طائفة من هذه الأشعار خصائص: فالطائفة الأولى تصور الحزن والجزع والتفجع، والثانية يغلب عليها الابتسام ولكنها تفيض بالسم الزعاف في الثورة على الناس، والثالثة تخلع على أبيه رداء الملوك. فهو يدخل عليه في كل عيد بقصيدة كما يصنع الشعراء في تحية الخلفاء والملوك.
إن حب الشريف الرضي لوالده كان انتماء عظيما للأب وللقضية وللنفس في آن واحد.
وحينما أطلق سراح والده ومعه عمه، وقدم من فارس إلى بغداد، فان روح الشاعر كانت ترافق الوالد في عودته مرحلة مرحلة، ولكل مرحلة كان يعد لها شعرا وكلمات. وذلك يدلل على الغصص التي حبست في صدره، والتي أخذ يطلقها حينا بعد حين، مع مسيرة عودة أبيه من المنفي والسجن.
فمثلا هناك قصيدة وجهها إلى أبيه وأنفذها إليه قبل دخوله بغداد بأيام يسيرة على يد بعض أصحابه، فهو كان يعرف معنى التحية، تحية الراجع إلى وطنه وهو في الطريق، كما نرسل برقيات التحية في هذه الأيام ليفرح بها القادمون وهم على متون البواخر، وهذه القصيدة ليست من الطوال، ولكنها على قصرها تصور شوقه إلى أبيه وهو نبت ضعيف، ويشير إلى ما صنعت به الأيام، فيقول في آخر القصيدة:
لما ذكرتك عاد قلبي شوقه * فبكين عنه مدامع الأقلام خلفتني زرعا فطلت وإنما * ذاك الغرار نمى إلى الصمصام أكدت علي الأرض من أطرافها * وتدرعت بمدارع الاظلام وعهدتها خضراء كيف لقيتها * أبصرت فيها مسرحا لسوامي أشكو وأكتم بعض ما أنا واجد * فأعاف أن أشكو من الاعدام وعند ما وصل أبوه، ذلك الأمير الحقيقي، والذي شمخت صورته في حلم الرضي، كانت الصعقة الوجدانية كبيرة، فقد رأى الشاعر أباه
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370