راحل أنت والليالي تزول * ومضر بك البقاء الطويل لا شجاع يبقى فيعتنق البيض * ولا آمل ولا مأمول غاية الناس في الزمان فناء * وكذا غاية الغصون الذبول إنما المرء للمنية مخبوء * وللطعن تستجم الخيول من مقيل بين الضلوع إلى طول * عناء وفي التراب مقيل فهو كالغيم ألفته جنوب * يوم دجن ومزقته قبول عادة للزمان في كل يوم * يتناءى خل وتبكي طلول فالليالي عون عليك مع البين * كما ساعد الذوابل طول ربما وافق الفتى من زمان * فرح غيره به متبول هي دنيا إن واصلت ذا جفت هذا * ملالا كأنها عطبول كل باك يبكى عليه وإن طال * بقاء والثاكل المثكول والأماني حسرة وعناء * للذي ظن أنها تعليل ما يبالي الحمام أين ترقى * بعدما غالت ابن فاطم غول أي يوم أدمى المدامع فيه * حادث رائع وخطب جليل يوم عاشوراء الذي لا أعان الصحب * فيه ولا أجار القبيل يا ابن بنت الرسول ضيعت العهد * رجال والحافظون قليل ما أطاعوا النبي فيك وقد مالت * بأرماحهم إليك الذحول وأحالوا على المقادير في حربك * لو أن عذرهم مقبول واستقالوا من بعد ما أجلبوا فيها * أالآن أيها المستقيل إن أمر قنعت من دونه السيف * لمن حازه لمرعى وبيل يا حساما فلت مضاربه الهام * وقد فله الحسام الصقيل يا جوادا أدمى الجواد من الطعن * وولى ونحره مبلول حجل الخيل من دماء الأعادي * يوم يبدو ظعن وتخفى حجول يوم طاحت أيدي السوابق في النقع * وفاض الونى وغاض الصهيل أتراني أعير وجهي صونا * وعلى وجهه تجول الخيول أتراني ألذ ماء ولما * يرو من مهجة الامام الغليل قبلته الرماح وانتضلت فيه * المنايا وعانقته الفصول والسبايا على النجائب تستاق * وقد نالت الجيوب الذيول من قلوب يدمى بها ناظر الوجد * ومن أدمع مراها الهمول قد سلبن القنا عن كل وجه * فيه للصون من قناع بديل وتنقبن بالأنامل والدمع * على كل ذي نقاب دليل وتشاكين والشكاة بكاء * وتنادين والنداء عويل يا غريب الديار صبري غريب * وقتيل الأعداء نومي ثقيل بي نزاع يطغى إليك وشوق * وغرام وزفرة وعويل ليت أني ضجيع قبرك أو أن * ثراه بمدمعي مطلول لا أغب الطفوف في كل يوم * من طراق الأنواء غيث هطول مطر ناعم وريح شمال * ونسيم غض وظل ظليل يا بني أحمد إلى كم سناني * غائب عن طعانه ممطول وجيادي مربوطة والمطايا * ومقامي يروع عنه الدخيل كم إلى كم تعلو الطغاة وكم * يحكم في كل فاضل مفضول إن نداء الشريف الرضي الذي امتد حرف النداء فيه يا مع المنادى الغريب إلى ما لا محطة له، ولا نهاية، عبر الزمن، هو الصوت الذي يسكن أعماقه الموحشة، ويركب لسانه الذي لا يكف عن اللهج والتحسس، فتظل المناداة الصارخة: يا غريب الديار صبري عجيب مدخلا لتفسير اغتراب الشاعر وغربته التي تتجاوز في المعنى كل شقاء.
ذو التعاستين ورث الشريف الرضي في روحه ودمه روح الفجيعة الحسينية، لكن الدهر لم يترفق به في حدود ذلك، بل أدخر له أمرا عظيما وتعاستين بالغتين:
الأولى سجن أبيه الذي كان سنده الكبير والشخصية العظيمة التي حملت قبسا من نور أهل البيت وحكمتهم وعدالتهم.
لقد: كان أبوه النقيب أبو أحمد، جليل القدر، عظيم المنزلة في دولة بني العباس ودولة بني بويه، ولقب بالطاهر ذي المناقب، وخاطبه بهاء الدولة أبو نصر بن بويه بالطاهر الأوحد، وولي نقابة الطالبيين خمس دفعات، كما ولي النظر في المظالم، وحج بالناس مرارا. أميرا على الموسم. لقد كان الشريف الرضي في العاشرة من عمره، حينما سجنه عضد الدولة، ففقد بذلك ولي الأمر، والسند، والنصير، ولم يكن أبوه مجرد أب، بل كان يرى فيه تجسيدا لموضوع فخاره وافتخاره، وكان يعلق الآمال على أن يحتاز أبوه المكانة التي يستحقها، والتي لا تقل شانا عن الخلافة. وقد كانت آمال الصبا كبيرة وملونة، حينما كان أبوه سيدا مطاعا، ومصلحا كبيرا، وبسجنه تطايرت الآمال وخيمت ظلمة الأسى على روح الشريف الرضي.
لقد كان الاغتراب التاريخي الذي ورثه الشاعر يحث على الثورة، وقبل أن يبلغ الشباب كان يحتاج إلى حماية ورعاية وجدهما في أبيه، وفي لحظة واحدة وجد الشاعر نفسه أمام الحقيقة القاسية، سجن أبيه وعمه، وتهدم بناء الحماية والعز في لحظة غريبة.
وفي ذلك يقول زكي مبارك: وما ظنكم بطفل يتوقد غيرة وحماسة، ويقبل على الدرس إقبال الرجال، فيصل النهار بالليل في درس العلوم العقلية والنقلية، ويأوي إلى بيت عامر بالكرم والجود تعج أرجاؤه بأصوات الخدم والحاشية، ويرى أباه في الصباح والمساء وهو عماد المكروبين، وغياث الملهوفين، ويرى أساتذته يبالغون في إكرامه لأنه ابن النقيب، ما ظنكم بطفل هذه أحواله يمسي بعافية ثم يصبح فيرى ذاهل العقل أن أباه جرد من الحول والطول وألقي به في غياهب الاعتقال.
ويضيف: إن من العسير أن تتصوروا النبوع الشعري في طفل غرير، لأنكم تعيشون في أزمان لا تعرف الشقاء، أزمان يكون فيها من النبوع أن يحفظ الطفل قصيدة وهو ابن عشر سنين، ولكن يسهل عليكم تخيل ذلك حين تتذكرون كيف كان حال الشريف الرضي حين نقل أبوه منفيا إلى فارس، حين تتصورون كيف أمسى ذلك الطفل فقيرا ذليلا بعد الغنى والعزة، حتى صح لبعض أساتذته أن يهبه دارا يسكنها!.
وما أظلم الأيام التي تحوج طفلا مثل الشريف إلى قبول هذه الهدية بعد تمنع وإباء. تصوروا حال الشريف وهو يحاور أستاذه فيقول: لم أقبل بر أبي فكيف أقبل برك؟! فيجيب الأستاذ وهو يتوسل إليه: إن حقي عليك أعظم