مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٥١
العملاق، لكن بآية صورة؟!.
رآه شاحب اللون، هزيل الجسم، قد نالت ظلمات الاعتقال منه، ولا يعلم إلا الله كيف خفق قلب ذلك الفتى حين رأى أباه، فقد كان لا يزال طفلا، وكانت المعاني السود والبيض تلذع قلبه لذعا عنيفا، والعواطف العاصفة لا يعرفها غير الأطفال.
فكانت قصيدة الاستقبال مشوبة بكل الانفعالات المتعارضة:
طلوع هداه إلينا المغيب * ويوم تمزق عنه الخطوب لقيتك في صدره شاحبا * ومن جلية العربي الشحوب إليه تحج النفوس الصدور * وفيه تهني العيون القلوب تعزيت مستأنسا بالعباد * والليث في كل أرض غريب وأحرزت صبرك للنائبات * وللداء يوما يراد الطبيب لحا الله يوما أرانا الديار * يندب فيها البعيد القريب وما كان موتا ولكنه * فراق تشق عليه الجيوب لئن كنت لم تسترب بالزمان * فقد كان من فعله ما يريب رمى بك والأمر ذاوي النبات * فال وغصن المعالي رطيب ولما جذبت زمام الزمان * أطاع ولكن عصاك الحبيب ولما استطال عليك الزمام * وذلل فيك المطي اللغوب رجوت البعاد على أنه * كفيل طلوع البدور الغروب رحلت وفي كل جفن دم * عليك وفي كل قلب وجيب ولا نطق إلا ومن دونه * عزاء يغور ودمع ربيب وأنت تعللنا بالإياب * والصبر مرتحل لا يؤوب وسر العدا فيك نقص العقول * وأعلم أن لا يسر اللبيب أما علم الحاسد المستغر * أن الزمان عليه رقيب قدمت قدوم رقاق السحاب * تخطر والربع ربع جديب فما ضحك الدهر إلا إليك * مذ بان في حاجبيه القطوب إن الألم في حياة الرضي، والذي يعكسه شعره بجلاء تام، أصبح أكثر من حالات نفسية حزينة، بسبب حوادث مؤلمة، لقد أصبح خبرة متميزة، لها خطوطها الطويلة والعريضة، وجذورها العميقة، وآثارها البارزة.
ورغم الأوقات السعيدة التي كانت تعقب فترات العناء والشدة والحزن الممض، فقد أصبحت للألم في حياة الشريف الرضي فلسفة متناثرة في شعره.
ولم تكن أوقات الفرح بقادرة على خداعه، مع أنه لا يخفي سعادته، وكانت فرصة رد الأعمال القديمة إلى والده وهي النقابة وإمارة الحج والنظر في المظالم، وذلك في جمادى الأولى سنة 380 مناسبة لتهنئة والده وإبداء الفرحة، فقال:
انظر إلى الأيام كيف تعود * وإلى المعالي الغر كيف تزيد وإلى الزمان نبا وعاود عطفه * فارتاح ظمآن وأورق عود قد عاود الأيام ماء شبابها * فالعيش غض والليالي غيد لكن الحكمة المبثوثة في أبيات القصيدة، هي نتاج الألم وخبرته، وهي التعبير عن النهج النقدي المرير الذي لازم شعر الشريف الرضي، وزوده بعناصر الثورة، لذلك فهو يذكر:
ما السؤدد المطلوب إلا دون ما * يرمي إليه السؤدد المولود فإذا هما اتفقا تكسرت القنا * إن غالبا وتضعضع الجلمود وأجل ما ضرب الرجال بحده * الأعداء مجد طارف وتليد وبلا شك أن طريق السؤدد المولود مليء بالأحزان، والمتاعب، وهي أكبر بكثير من مشقات وتضحيات السؤدد المطلوب، بمعنى أن الآلام القادمة والتي تنتظر حياة الشاعر هي قدره المحتوم، وما دام غير قانع بالمكاسب المحدودة، فهو مقتنع بالعذاب الذي لا بد منه.
إن التعاسات أفضت بالشريف الرضي إلى اغتراب يتفجر حكمة وبعد نظر.
الاغتراب الروحي في حياة وشعر الشريف الرضي إن العناصر الأساسية المكونة للاغتراب الروحي في التجربة الحياتية والشعرية للشريف الرضي هي أولا: الأصل الفجائعي للسلالة الهاشمية، وأهل بيت النبي بالذات، والذي يشكل خلفية تاريخية مأساوية تهطل منها معطيات أدبية وفلسفية في البلاء، والعزاء، والاصرار الدائم على تلمس الجذور الدامية للمأساة.
وتشاء الخلفية التاريخية هذه أن تكون تأثيراتها قبل الولادة، لأنها تجري في الدم وفي حركة الأعصاب، وفي الموروثات العضوية، قبل التوارث الروحي والثقافي الذي تنقله الطقوس والتقاليد الدينية والاجتماعية.
ثانيا: الزهد والمعرفة الدينية، وهما من سمات السلالة ومن إرثهما المنقول من الآباء إلى الأبناء.
وقد بينت صحف التاريخ الاسلامي أن آباء وأجداد الشريف الرضي كانوا أوعية للعلم والمعرفة الربانية، وكانوا زهادا، عابدين، قانتين، شغلتهم مناجاة الله عن المطامع الدنيوية الرخيصة، ولم يكن لأحدهم إعراضا عن حقهم في السعي من أجل نشر العدل في الحياة الدنيا، بل هو تعبير عن وحدة ذلك الحق مع الفقر، لأن العدل لا ينشأ إلا من القاع الاجتماعي، والبساطة، والتواضع، ورفض الثراء والجاه والغرور الزائف.
ومما زاد ويزيد في زهد العارفين، القانتين، والأئمة الأعلام، الطهورين، تفاقم الفساد والاحتيال والغدر، وهدر الأخلاق، وسيادة منطق القوة والقهر والابتزاز والارشاء، وكل المباذل التي تهوي بالمجتمع إلى الحضيض. فكلما تزداد كفة الميزان ميلان لصالح الفساد، فان العلماء يزدادون زهدا واحتماء بالدين والقيم الروحية.
وفي عصر الشريف الرضي، تعرض الوجود العربي، إلى مؤثرات قوية، ووجدت طبقة ممعنة في الترف والنعيم وطلب المسرات والخروج بها إلى حد الشذوذ، ولعل من أسباب ذلك، ما طرأ على هذا العصر من ضعف الوازع الديني، ومن فساد الأسرة بسبب الاختلاط والتزاوج، وبسبب كثرة القيان وإباحة المنكرات، والتعلق بمظاهر الحياة المادية تعلقا شديدا مفرطا. فقد رأى هذا العصر سيلا هائلا من العناصر الدخيلة، كما نشطت فيه تجارة الرقيق،
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370