مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٤١
يبدأ أولا بتنظيف بدنه لئلا يدنس وسخ البدن ودرنه هذه الثياب البيضاء النقية التي يتدثر بها، ومن بعد ذلك لا بد له أن يهتم بنظافة البيت الذي يسكنه والمجلس الذي يأوي إليه ليحافظ على نظافة ثيابه وهندامه من الداخل والخارج فيتم بذلك المراد. وطالما عبر الناس في الماضي عن طهارة النفس والقلب معا وشبهوها بنقاء الثوب وبياض الإزار والحبيب وغير هذه الأمثلة والعبر التي تدلنا على الاهتمام بنقاوة الإنسان وبيئته وحفظه جسديا وروحيا ورفع مستواه أخلاقيا واجتماعيا (1).
ثم إن الجواهر تتلو الثياب رتبة من جهة الاهتمام حسب العادة في أكثر البلدان فيتحلى الذكور بالخواتم والتيجان وما رصع من الوشم الوشح والمناطق والقلانس والقفازات والقضبان والأعمدة لهم ولمن مثل بين أيديهم وللإناث ما لهن من المداري والأكاليل والأسورة والخلاخيل والجبيرات والمعاضد والعقود والقلائد. وهناك من هم في طبقة المسرفين المبذرين والمترفين حتى إنهم يتعدون استعمال الحلي والمجوهرات بالامتداد والتطاول إلى تزيين ما هو خارج عن البدن نفسه إلى تزيين الحيطان وسقوف الدور وأبوابها ورواشنها قصد إظهار التفاخر والعظمة الإنسانية مع أن هذا الاقتدار يكون غالبا بالتمويه لا بالتحقيق مع العلم أنه بلا شك يستحب للانسان أن يعني على الدوام بأمر النظافة والكياسة خارجا وداخلا.
ترويحة 10: يتابع المؤلف حديثه مشيدا هنا بأهمية الرياحين في التجمل والصحة العامة وروعة البيئة ولربما ترينا فكرة هذا الانسجام والشغف بجمال الطبيعة بعض تعلق البيروني بها كما قد تبين أيضا في كتابه الصيدنة في الطب، ومع أنه ليس لدينا أي برهان أو حتى حدس قطعي ولكن ربما كان هنا مجال للتكهن بان تسمية المؤلف بأبي الريحان كانت وليدة هذا الاهتمام الذي لاحظه معاصروه فيه وشجعوه عليه فاعطوه هذا اللقب المميز لذلك نسمعه هنا يقول:
إن من أظهر الأدلة على كمال المروءة وقد مر التعريف بها والحديث عنها تكميل النظافة بالأرايح الأرجة التي تتعدى إلى الغير فتلذه وترغبه في الاقتراب إليه والمناسمة معه وتخفي ما في الإنسان من العوار والوصمة. وأن المروءة اجتناب المحرمات والكف عن أذى الناس ومن ثم فهي الاعتصام بأصول الدين الحنيف الذي يوجب العدل والمساواة وقمع الظلم وإعانة المظلوم والبائس ومن ثم على خلاف من قيل فيه إنه يمنع رفده ويأكل وحده ويضرب عبده وأن من حسن خلقه بتحسين خلقه وهيا مطعمه بالطيب من الحلال وأشرك فيه غيره بالتسوية فهو العاقل والجواد وصاحب الفضل كما أنه يكون قد حافظ على النظافة والكياسة وقد زاد على ذلك باستعمال الطيب الممدوح العطر فقد سر أكيله وآنس جليسه وأكرم نديمه وكف أذاه وبذلك فعل لغيره ما أراد أن يفعله له غيره (2).
ترويحة 11: هنا يصل البيروني الذروة في تقدير القيم الإنسانية الرفيعة وطلب الخير والمساواة للجميع ودفاعه عن الخلافة الاسلامية كما أنه يقترب رويدا رويدا، كما نظن إلى صلب الموضوع، في بحثه عن الجواهر معنى ومبنى في نطاق تاريخي وعلمي ومنطقي فيقول، الناس كلهم بنو أب واحد وأشباه في الصورة لا سيما من ناحية علمي التشريح ووظائف الأعضاء ولا يخلون فيما بينهم عن التنافس والتحاسد الذي في غرائزهم بتضاد أمشاجهم وأمزجتهم وطبائعهم بالإضافة إلى الاشتمال على ما تعين منذ عهد ابني آدم هابيل وقابيل المقدمين قربانين مقبولا من أحدهما مردودا على الآخر، لأنه عصى صوت الله وثار ضد أخيه ومع ذلك صرخ فاجرا ناكرا للجميل وعديم الود: أحارس أنا لأخي ولما لا حتى صار هذا البلاء الموئس منذ فجر تاريخ البشرية وعم هذا الويل المرير. وإن مما يحد من طمع الإنسان وشره هو، خوف آجل من الله أو عاجل من السلطان وما لم يكن السلطان قويا نافذ الأمر صادق الوعد والوعيد لم تتم له سياسة من تحت يده. فكل واحد منهم يرى أنه مثله وأنه أحق بماله ومكانه ولهذا قصر الملك على قبيلة لتنقبض أيدي سائر القبائل عنها ثم على شخص أفضل أشخاصها ثم على نسل له يكون ولي عهده فصار الحكم ملكا لهم.
نرى هنا تحليلا فلسفيا علميا لنزعات النفس البشرية إلى السلطة الحكم، كما يراها المؤلف، بدافع أنانية قهارة مخيفة لذا يجب التحكم بها وضبطها ثم تسييرها في أقنية خاصة مع وجوب الحزم والارتباط العائلي والحق الوراثي لذلك يقول المؤلف شارحا: ثم أضيف إلى ذلك حال معجز بلغ في غاية القوة وهو التأييد السماوي والأمر الإلهي بالنص على نسب لا يتعدى عموده كما كانت عليه الفرس زمن الأكاسرة وكما كان عليه الأمر في الاسلام من قصور الإمامة على قريش ومن وجبت له المودة لهم بالقربى وكما اعتقد أهل التبت في خاقانهم الأول بأنه ابن الشمس الذي نزل من السماء وأهل كابل أيام الجاهلية في برهمكين أول ملوكهم من الأتراك وأنه خلق في غار هناك يسمى بغرة ولعله بغراخان أحد سلاطينهم فخرج منه متقلسيا وأمثال ذلك من أساطير الأمم الصادرة عن حكمة تجمع الناس طوعا على الطواعية وتحسم الأطماع في نيل كل واحد رتبة الملك، مبعثه عنصر تقليدي ديني حسب البلاد وجغرافيتها والتاريخ (3). ثم يشير البيروني إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية هامة موضحا فيها كيف أن الملوك يلجؤون إلى بناء القصور والقلاع وتزيين مجالسهم وإظهار الأبهة والأمجاد لاكساب مركزهم وتزويده بهالات من التعظيم والاكبار في عيون الرعايا والأتباع، فيضيف: وكما يميز الملوك عن غيرهم بهذه الخصال كذلك تمموا التمييز باعلاء الايوانات وتوسيع القصور وترحيب الرحب والميادين ورفع المجالس على السرر، كل ذلك سموا إلى السماء وإشرافا على الخاص والعام من الملأ وإليه ذهب البحتري في قوله:
وليس للبدر إلا ما حبيت به * أن يستنير وأن تعلو منازله ولم تكن للزيادة في القدرة حيلة فجعلوها بالتيجان والقلانس واستطالوا بالأيدي حتى وصفت ببلوغ الركب كما سمى أهل الهند أحد ملوكهم مهاباها أي طويل العضد والفرس بهمن أردشير ريونردشت لأن ريونرد هو أصل نبات الريباس.
وما لم يبلغ الماء في العمق لم ينبت وإن كان رأسه في ذرى الجبال، وهذه

(1) من المواضيع الهامة في عصرنا هذا بالنسبة للصحة العامة هي تأمين بيئة صالحة صحيحا مع نظافة الجسم والثياب للمحافظة على الصحة البدنية والنفسية.
(2) وبرأي البيروني فإن نظافة الهندام تعني أيضا حسن الطوية الداعية للطاعة وعز القناعة والأخذ بالأصوب لخير الإنسان في الحياتين العاجلة والآجلة ونرى في ذلك اهتمام علماء المسلمين بالطيوب وأدوية الزينة.
(3) في غاية الأهمية ما يذكره البيروني عن الحكم في الأفغانستان قبل انتشار الدين الإسلامي فيها ولعل العاصمة كانت آنذاك كابل (ربما هي كابول عاصمة البلاد الحالية) معبرا عن الأسباب التقليدية والدينية في قيام نظم الحكم واستمرار الملكية.
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370