مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٤٠
وذم منها ما كان يحمد على مثال وصف أبي بكر الخوارزمي: إن رجلا قيل فيه إنه درة من درر الشرف لا من درر الصدف وياقوتة من يواقيت الأحرار لا من يواقيت الأحجار (1).
ترويحة 8: هنا يقابل البيروني بين لذة الروح السامية ولذة الجسد الأرضية مقررا أن اللذة بالحقيقة إنما هي مسالة مرهونة بلزوم ما إزداد الحرص عليه إذا دام اقتناؤه له، وهذه هي حالة النفس الإنسانية التي تستمتع بحيازتها للمعرفة النافعة والتعمق والغوص في المجهول وكشف أسراره وغوامضه إلى أن يغلبها عند طلب الراحة من تعب المساعي ويلهيها عما كانت فيه بسبب العجز عن الاستمتاع، بما يشتهيه من رغبات أو فيما تطلبه من الحكمة والفهم.
وأما اللذات البدنية فإنها على النقيض إذ هي معقبة للآلام وجالبة للأسقام والأحزان تنبذ وتمل إذا دامت وتودي إذا أسيء أو أفرط في استعمالها الأمر الذي يؤدي بها إلى العبودية والشقاء والانحطاط عقليا وروحيا وجسديا مثلها كمثل الطعام الذي يحلو للجائع ثم تقل لذته بمقدار ما يؤخذ منه حتى إذا أكثر المرء منه وأتخم أدى إلى الغثيان والتهوع والقذف. فأطايب الدنيا كلها خبائث ومحاسنها قبائح فهي لا تشبع قلب الإنسان من جوع إنما تغريه فينقاد إليها فتأسره ليعود إلى طلبها مجبورا فاقد الإرادة. والأمر الطريف حقا، وهو من الأهمية بمكان في تاريخ الطب والمعالجات، أن المؤلف يشبه الشخص المسترسل والمستهتر في شهواته الجسدية كمثل المخمور في العقارات المسببة للهلوسة والاعتياد والتي بعد فقدان تأثيراتها يعود مرة أخرى راجعا إليها وبالحاح يطلبها. وفي هذا نجد أيضا دليلا آخرا على تمكن استعمال مثل هذه الأدوية المخدرة وانتشارها وعلائم ومجريات الاعتياد عليها في عصره والذي كان شاهد عيان لأثرها وما تورث متعاطيها من سلب الإرادة للمقاومة والانصياع (2) ولا يغفل المؤلف عن الجزم بان في وجود اللذة الجسدية ونشاطها وطلبها يكون دوام النوع وإبقاء للشخصية البشرية ومميزاتها في تعمير الكون حتى أن بني الإنسان ينمون ويكثرون ويملؤون الأرض ولتكن خشيتهم ورهبتهم على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء (3).
ترويحة 9: يشرح البيروني هنا كيف أن للناس أحوالا مختلفة في دنياهم يتقلبون فيها ويتعايشون معها فبعض منها يمرح وبعضها الآخر يذم ويرذل لا سيما ما هو مخالف للخلق القويم والنظافة وكرم النفس فالمحامد المشكورة فقطبها المروءة، وإن مدار النظافة روحا وجسدا هو على الطهارة والنقاء وإنه مغبوط وسعيد حقا لذلك الشخص الذي له صديق مخلص ينفر مما لا يرضاه لصديقه ويحب له ما يريده لنفسه. ثم إن البيروني بالرغم من تقديره للصداقة وحسن العشرة إلا أنه يحذر من كثرة الأصدقاء وبلا حدود والذين يكثرون مع اتساع الحال والغني وما أقلهم حين تشح ذات اليد مع أن في تكاثرهم الرقي إلى مراتب الرياسة والملك فيمن تعلو بهم الهمم ومن يطلبون الخير للجميع لا سيما لمن حولهم تمنيا عند العجز وفعلا لدى القدرة يوم تؤول إليهم الرياسة، وطبيعي أن الجمال في الصورة وحسن الخلق محبوبان مرغوب فيهما ولكن الصور عطايا في الأرحام لا سبيل إلى تغييرها لأحد من الأنام إنما نزاهة النفس والدماثة هي في الأخلاق وحسن السيرة ومالك هواه هو القادر على نقلها من المذام والعار إلى المحامد وأعلى الرتب وما هذا إلا بمقدار ما يعمل المرء على تهذيب نفسه بالحسنى وصالح الأفعال ومعالجة أسقامها بالطب الروحاني للتحلي بالفضائل والتقى والابتعاد عن الغضب والهموم. في هذا المجال أيضا يذكر البيروني بعض الأمور العملية التي بها المرء يستطيع أن يحسن خلقه وإن عجز عن تبديل صورة وجهه مع الإشارة لما هو معروف وبديهي أن الاهتمام إنما هو في المرتبة الأولى بالبشرة والتي هي أول ما يلاقي من جسم الإنسان فينبغي إذا تنظيفها بالماء الطهور وليس ذلك أديبا وحسب العرف والعادة فحسب ولكن دينيا أيضا (4)، حتى أن السنانير الأهلية هي أحسن مثال في عالم الطيور في طلبها وسعيها في مراعاة نظافة جسمها والبيئة التي فيها تعيش على خير منهج.
ثم إن المؤلف يعدد بعض ما أوصى به رجال العرب ونساؤهم بناتهم من وجوب المحافظة على نظافة أجسادهن وبيوتهن طلبا في الابقاء على السعادة الزوجية واعتبارهم بان الماء وحده هو أصل الطيب ورأسه (5).
لذلك بعد الاغتسال بالماء الطهور يوصي المؤلف أولا التزين بالأصبغة والألوان والتي بمعونة الضياء سرعان ما تلفت إليها الأنظار بواسطة حاسة البصر. فمثلا فان تبييض البشرة وتوريدها بالغمر ثم تسويك الأسنان وتنظيفها وتنقية الاشغار وتكحيل العين وصبغ الشعر وتمشيطه وقص ما يحتاج إلى القص ونتف بعضها وتقليم الأظفار وتسويتها كل ذلك لأجل تحسين مظهر الإنسان وتجميل منظره مع النظافة والذوق السليم. يتبع ذلك ذكر الثياب الملاصقة والمحيطة بالبدن لا سيما الماسة للجلد والتي يجب تنظيفها ليبدو لونها الأبيض المحمود زاهيا مصقولا ولامعا للتخلص من الغبار والدخان وما يعلق بها من الشوائب أو ما يعكر صفو لونها. ومن البداهة أن من ينظف ثيابه لا بد أن

(1) هو أبو بكر الخوارزمي (325 ه‍ / 993 م) ويبدو أن البيروني لم ينجذب كثيرا لزينة الجواهر ورونقها ولم يحسبها صالحة للسكة والمقايضات إذ كان يرى جمالا أحرى في جواهر الأخلاق ودرر الحكمة التي انجذبت نفسه إليها.
(2) كان البيروني قد لا حظ سوء استعمال العقاقير المخدرة والتي تسبب اعتيادا يصعب التخلص منه إذ أن الكثيرين من الصوفية ومن عامة الشعب أخذوا بتعاطي الأفيون والحشيش ليس لأجل المداواة والشفاء فحسب بل كمخدرات،.
(3) هي الحكمة القديمة في قوله تعالى (أثمروا وأكثروا واملؤوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض) سفر التكوين 1: 28 وأيضا 9: 2 ولكن البيروني فجأة ينتقل للحديث عن أهمية نظافة الفم والبدن اجتماعيا وصحيحا ويشرح كيف أن التعرق يزدحم قليلا لسد مسام الجلد لذا وجبت النظافة والاستحمام مشبها ربح النفس الطيب بالمسك والعنبر.
(4) يقتبس المؤلف سورة المائدة: 5 (يا أيها الذين آمنوا إذا فمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا رؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) وفي الحديث الشريف: " النظافة من الإيمان ".
(5) يقتبس المؤلف هنا عدة روايات ننقل بعضا منها لطرافتها وأهميتها في علمي الاجتماع والنفس كقول أم توصي ابنتها عند زواجها: " إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق وأنهاك من إكثار العتاب فإنه يورث البغضاء وعليك بالزينة وأزينها الكحل وبالطيب وأطيبه الماء ". وقول أخرى " كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا وعليك باللطف فإنه أبلغ من السحر والماء فإنه رأس الطيب ". وإياك والاكتئاب إذا كان فرحا والفرح إذا كان مكتئبا ولا يطلعن منك على قبيح ولا يشمن منك إلا أطيب الريح ولا تفشين له سرا لئلا تسقطين من عيينة وعليك بالماء والدهن والكحل فإنه أطيب الطيب ". ومع أننا لا نعرف شيئا يذكر عن حياة البيروني الخاصة إلا أننا من هذا نميل للظن بأنه كان متزوجا فما ألهته علومه وأبحاثه عن التأمل بما يجعل الحياة الزوجية طيبة هنيئة.
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370