مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٤٣
ثانيا: فان الملوك فلكثرة نوائبهم يعدون الذخائر للعدد ويحصنون ويكنزون الأموال في القلاع والمعاقل وأن يكون حمل ذلك إليها مستورا لتوسط النقلة والحفظة بينهم وبينها فيحتاجون معها إلى خبايا مخابئ ومستودعات لا يطلع عليها غيرهم فمنهم من لا يراقب الله تعالى في الاتيان على ناقليها إلى المدافن فيتخلص منهم، ومنهم من يحتاط في ذلك ويحتال بايداع الفعلة ضمن صناديق فارغة ويتولى سوق البغال معهم إلى الموضع فإذا أخرج القوم بالليل من تلك الصناديق لم يعرفوا أثرهم من العالم وإذا فرغوا من الدفن أعيدوا إليها وردوا فحصل المرام وبعد عنه الآثام ولهذا شريطة هي أن لا تحمل منهم نفرا مرتين وقد أهملها بعضهم واحتاط لها بعضهم الآخر إذ قد جعل أحدهم في أسفل الصندوق ثقبة وأعد مع نفسه كيسا من أرز أخذ ينثرها قليلا قليلا واقتفاها بالغد ففازوا بالمذخور ولم يقف صاحبه على الحال إلا بعد عشرين سنة لما احتاج إليها ولم يجد في المدافن غير حساب بهلول (1).
ثم أخذ بعدها يتابع المؤلف تحليله لمثل هذه الحالات والأحداث السياسية والاجتماعية والتي معها طالما تتعرض مثل هذه المدخرات للدفن في باطن الأرض مرة أخرى كما كانت في طي النسيان فلا تكتشف إلا اتفاقا أو نتيجة طوفانات وسيول عارمة تكشف عنها وتدل عليها. فكم من غني مدخر للأموال توفي تاركا من بعده كنوزه دون أن يعرف بوجودها أو مكانها أحد غيره فتفقد، أو ملك يخزنها لحين الحاجة فيهرب أمام عدو مهاجم ويتركها خلفه مدفونة في الأرض وليس من يجمع أو يحصي عليه ما أودع (2).
ترويحة 14: ويستمر البيروني في توضيح نظريته في الأمة وسياسة الاقتصاد بين الناس في المعاملات واستحسان استعمال النقود الورقية أو المعدنية ومن بينها الجواهر فيقول: لما احتاج الملوك في حركاتهم وانتقالاتهم الاختيارية والاضطرارية إلى أصحاب أموال تصحبهم من أجلها خدمهم وينزاح بهم العلل في إخراجاتهم وعوارضهم وكان الورق أخف محملا من المثمن به في المصالح كالفلوس والدراهم والدنانير مثلا نظروا إلى الفاضل عليه في ذلك فوجدوه العين خيار الشئ ونفيسه وما ضرب نقدا من الدنانير فان المثمن من المطالب الأخرى يكون عشرة أضعاف ما يحصل بالورق على الأصل القديم المعين في الديات والزكوات وإن تغير بعد ذلك لعزازة الوجود ونزارته في بعض الأحايين دون بعض أو لفساد النقود وصدئها وإما في أصل الجبلة في كل عالم. ثم إن البيروني يعمل مقارنة بين ما سبق ذكره من أهمية العملة الورقية وبين الجواهر والأعلاق النفيسة وما لها من القيم وإمكانية وجودها ومحتوياتها وأفضلية استعمالها بالنسبة لأوزانها وأثمانها. بعد ذلك يأخذ بيد القار بصورة غير مباشرة إلى صلب موضوع بحثه في أصل الجواهر الكريمة ونفعها وعلو قدرها ماديا ومعنويا والنواحي النفسية والاجتماعية التي أدت إلى انتشارها وأهمية تداولها وسهولته وخفته ثم يصرح قائلا: فان الذهب أعز وجودا من الفضة والفضة أقل وجودا من النحاس ويناسبها صغر الحجم وعظمة ورجحان الوزن ونقصانه. وهو يذكر أحد المناجم الذي يعطي من بين معادنه، هذه الأجناس الثلاثة بتفاضل مقارب لهذه النسبة وذلك أن عطية الوقر فيه من الذهب عشرة دراهم ومن الفضة وزن خمسون إلى خمسة أضعاف ومن النحاس خمسة عشر منا أكثر من مائة ضعف فلهذا آثروا العين على الورق في الاصطحاب مما خف عليهم حمله وحين لم يأمنوا الواقعات النائبة سجالا وقد عرف أن النجاء فيها بالقلة والخفة مالوا إلى الجواهر إذ كان حجمها عند حجم الذهب أقل قدرا من حجم الذهب عند الفضة وحجم الفضة عند ما يشتري بها من المصالح فاصطحبوها معهم وقرنوها بأنفسهم، وإن هذه الجواهر نفسها التي يعتز ويتباهى باقتنائها الملوك والعظماء تكون وبالا عليهم إن شاؤوا التنكر والاختفاء عن عيون المراقبين وفي يد العامة تصبح سببا في اتهامهم بسرقتها أو بالشك في أمانتهم إذ ليس من المنتظر أن أمثالهم يملكون مثل هذه الجواهر النفيسة الثمن فيصرح قائلا: ولكنها عند إلجاء تلك الحوادث إلى التنكر ربما صارت ساعية فتكتشف بسرعة دالة عليهم كما نم بفتية الكهف عتق السكة في الورق حتى اتجهت عليهم التهمة بوجود ذخيرة عتيقة، ثم يضيف المؤلف قائلا: إن الجواهر خاصة من آلات الملوك وهذا مدار حديثه فإذا كانت عند غيرهم ممن لا يليق بحاله تلونت الظنون فيه بأنها إما مسروقة وهذا منطق اجتماعي وقانوني متبع حتى في عصرنا هذا والسارق حينئذ مطلوب، وإما ممتلكة حقا لمتنكر من الكبار ومثله مرصود، وفي كليهما خسارة.
ثم يعبر البيروني عن التطورات الاجتماعية والأخلاقية والعمرانية المترتبة على جمع الكنوز الأرضية كالجواهر فيقول: وقد كان فضلاء الملوك يجمعون الأموال في بيوتها وفي المساجد ويجلبونها من أجمل وجوهها ثم يكنزونها بالتفرقة في أيدي حماة الحريم ثم الدافعين مضار العدو عن الحوذة إذ كانت أول فكرتهم آخر عملهم وهم كالخلفاء الراشدين ومن يشبه بهم مقتديا مثل الخليفة عمر بن عبد العزيز والكثير من المروانية والقليل من العباسية إذ كانوا يرون ما قلدوه عبئا ثقيلا قد حملوه ويحتسبونه محنة ابتلوا بها فكانوا يجتهدون في نقص إصرها ويتحرجون عن التردي في وزرها، فهؤلاء الخلفاء الصالحون إذا لمسوا أهمية المسؤولية الواقعة على عواتقهم تجاه رعاياهم لم يستبدلوها بطلب القوة في المال والجواهر والممتلكات بل باجراء العدل والمساواة والحفاظ على مصالح الشعب ورفاهيته بالرفق وحسم الظلم وعون البائس.
ويروي هنا المؤلف خبرا تاريخيا مفاده أن قاطني إحدى النواحي في بلاد المغرب كانت الامارة تدور فيما بين أعيانها وشآتهم على نوب يقوم بها من يأتيه دوره لمدة ثلاثة أشهر ثم ينعزل عنها بنفسه عند انقضاء أمدها فيقدم الهبات والصدقات شكرا على عمل قام به وانتهى حتى تتاح له فرصة العودة إلى أهله مسرورا كأنما قد حل من عقال حتى ينصرف لشؤونه ويزاول أعماله الخاصة بينما يأخذ وظيفته آخر لثلاثة أشهر وهكذا.
وفي هذا نرى صورة رائعة لتطبيق مبدأ العدالة في الحكم مع النزاهة والتضحية في خدمة البلد والتفاني في المبادىء الإنسانية والديمقراطية الحقيقية فأين هذا في عصرنا حيث نجد التكالب على الكراسي والحرص على حفظ الألقاب والمراكز. ويفسر المؤلف هذا التصرف على الوجه التالي: وذلك لأن حقيقة الامارة والرياسة هي هجر الراحة لراحة المسوسين في إنصاف مظلومهم من ظالمهم وإتعاب البدن في الذود عنهم وحمايتهم في أهليهم وأموالهم ودمائهم

(1) البهلول " السيد الجامع لكل خير أو الضحاك " ولكن صار مثلا لما لا نفع مما جمعه من الخيرات.
(2) يروي لنا البيروني قصص بعض من دفنوا كنوزهم في الأرض ففقدت.
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370