مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٣٥
اقترع فيها عذرته وأظهر ذروته كاختراع البدائع في كل ما وصلت يده من سائر الفنون فهو إمام المجتهدين وأسوة الباقين (1). ثم مقالة لنصر بن يعقوب الدينوري الكاتب عملها بالفارسية لمن لم يهتد لغيرها وهو تابع للكندي في أكثرها وسأجتهد في أن لا يشذ عني شئ مما في مقالتيهما مع مسموع لي من غيرهما. فالبيروني إذا يشير إلى أنه استفاد كثيرا من كتاب الكندي المذكور أعلاه أولا، وقليلا من مقالة الدينوري بالإضافة إلى ما كان قد سمعه وخبره البيروني نفسه من متعاطي مهنة العمل والاحتراف والتجارة في الجواهر وأشباهها مع أنه يشك في ثقتهم وينتقد ساخرا من نزاهتهم وصدق نيتهم فيما يعملون ويقولون، وإن كانت طبقة الجوهريين في أخبارهم المتداولة بينهم غير بعيدة عن طبقة القناص والبازياريين صيادي الجوارح وأنواع الطير في أكاذيبهم وكبائرهم التي لو انفطرت السماوات والأرض لشئ غير أمر الله لكانته. ولنا ببطليموس أسوة في تألمه من تخريصات التجار الذين لم يكن يجد بدا من الاستماع منهم لتصحيح أطوال البلاد وعروضها من أخبارهم بالمسافات والعلامات.
لذلك لا بد أن البيروني قد اعتمد في الكثير من المعلومات التي قدمها في كتابه حول الجواهر على مشاهداته الشخصية وتجاربه واختباراته وتقييم الأمور التي سمعها ونقلها حسب ما رآه فتكون أكثر قبولا وواقعية ونقدر أن نتحقق صدق هذا من الأفكار الأصلية الهامة النيرة والصبر والنظريات التي احتماها كتابه هذا (2).
فصل 1: يقدم لنا هنا البيروني بحثا ذا أهمية قصوى في تاريخ طريقة نمو النبات والحيوان وتطور هذه الطريقة وما تتميز به كل من هاتين المملكتين الطبيعيتين وكيف بذلك أزاح لنا الله الغطاء لمعرفة علل جميع المخلوقات بكنه حاجاتها وبقدر، لا إسراف فيه ولا تقتير، وجعل النمو الذي هو زيادة في جميع أقطار القابلي له طارئة عليه ومستحيلة إليه سببا هو الاغتذاء وصير النبات مكتفيا بالقليل من الغذاء ماسكا له، لا ينهضم بسرعة، فاقتنع وثبت مكانه يأتيه رزقه من كل مكان فيجذبه بعروق دقاق في دقة الماء ساريا إلى جرثومته. فالغذاء يأتي إلى النبات وهو في مكانه ثابت فتجتذبه الجذور الممتدة في عمق الأرض وتهضمه ثم كيفية تغذي النبات بمرور النسغ ببطء من الجذور صاعدا إلى فوق من خلال الجذع والأغصان فإلى أجزائه العالية مقدما نظرية طريفة هامة إذ فيها يبين بوضوح فيقول: وترفع سخونه الجو بالشمس من أغصانه رطوباته الأمر الذي من أجله يحدث فراع والذي لا بد من ملئه فينجذب ما حصل من الجذور في الأسافل إلى أعالي أفنانه وينمو به.
وغاية هذا التطور والنمو ليبلغ ذروته لاستمرار الجنس ثم يجري إلى ما خلق له بالايراق والإزهار والاثمار (3).
وبعد ذلك يشير البيروني إلى الفارق الواقع بين طريقة نمو النباتات وبين كيفية تغذي الحيوان وسرعة الانهضام وأهميته، وضرورة تنقل الحيوان بآلات الحركة لطلبه واحتياجه إلى القضم والخضم وللتقوت من هنا وهناك. من أجل ذلك أعطي الحيوان بالطبيعة موهبة الحواس الخمسة ليميز بها بين ما يضر وما ينفع وبين الممكن وغير الممكن معبرا عنها في النقاط التالية:
1 من بصر يدرك به المرغوب فيه من بعيد فيسرع إلى اقتنائه والمرهوب حتى يهرب منه ويستعد لاجتنابه وإتقائه.
2 ومن سمع يدرك به الأصوات من حيث لا يدركها البصر فيتأهب لها.
3 ومن شم يدل عليها من خواص فيها فيقتفيها أو يتقيها.
4 ومن ذوق يظهر له به الموافق من الغذاء وغير الموافق منه فينجو بذلك مما هو سام ويبتعد عما هو تافه أو غير مستحب.
5 وأخيرا من لمس يميز به بين الحار والبارد والرطب واليابس والصلب واللدن والخشن واللين فينتظم بها في الدنيا معاشه ويدوم انتعاشه، وهي ميزة للحيوان فوق النبات، أحسن المؤلف توضيحها وتبيانها بدقة وحذاقة وصدق (5).
ترويحة 1: يتابع البيروني في الترويحة الأولى حديثه عن الحواس التي تنفعل بمحسوساتها أعضاء البدن الحيواني وأفعاله وقواه فيعطينا أفكارا أخرى هامة وأصيلة بالاستمرار في تعريف الحواس وكيفية أدائها أفعالها بالنسبة لعلمي التشريح ووظائف الأعضاء فيضيف قائلا:
فالبصر محسوسه النور الحامل في الهواء ألوان الأجسام خاصة وإن حمل أيضا غيرها من الأشكال والهيئات حتى يعرف بها كمية المعدودات والمرئيات

(١) لقد استفاد البيروني مما كتبه فيلسوف العرب يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي (ت حوالي سنة ٨٧١ م في العاصمة العباسية) حول خواص الجواهر ونعوت الأحجار ووصفها ولكنني شخصيا لم أجد أية نسخ مخطوطة بعد للتأكيد وللتعريف بالكندي وأعماله في هذا المعارف، ١٩٦٢ م، وفؤاد سيد، فهرس المخطوطات المصورة، القاهرة، معهد المخطوطات العربية، ١٩٦٣ م، ص ٢ - ٣، والأب ج. مكارثي، التصانيف المنسوبة إلى فيلسوف العرب، بغداد، ١٩٦٣، ويذكر ابن النديم في الفهرست (طبعة القاهرة، ١٩٢٩ م) ص ٣٧١ - ٧٩ رسالتين للكندي في أنواع الجواهر الثمنية وفي أنواع الحجارة المعدنية (الفلزات).
(٢) البيروني، في الجواهر، طبعة ١٩٣٦ م ص ٣١ - ٣٢، ٤٠٩ ونسخة هارفارد ص ٤٤ - ٤٦، وإننا نجد في الواقع اقتباسات وإشارات إلى كتب ومؤلفين أخر الترنجي والمسالك للجيهاني والمالك والمسالك للمسعودي ومنافع الأحجار لعطارد بن محمد والموازنة لأبي القاسم الآمدي والنبات لأبي حنيفة الدينوري وأسفار مختلفة من التوراة تبحث في هذا المجال.
(٣) البيروني قدم آراء أصلية في العلوم الطبيعية ونظرات صائبة في مظاهر وطبائع الممالك الطبيعية الثلاثة كما نجد هنا في نظريته في تغذي النبات وصعود النسغ من جذوره إلى بقية أجزائه العالية. يان ولكزنسكي في استنتاجاته حول نظريات البيروني في انتخاب الأنواع وفكرة التطور:
يعتبر البيروني بأنها أفكار عابرة غير مقصودة، مع أن هذا المفكر المسلم العبقري حاول أن يضع أعظم آرائه أصالة وجدية بهذا الأسلوب، كما نجد في مقدمته لكتاب الجواهر وذلك حتى لا يثير ضجة حوله ممن لا يقيمون وزنا للتفكير الحر والذين يحاربون التجديد والأصالة في البحث العلمي والملاحظات الشخصية المتحررة. وهنا مثلا نجد تعليقا هاما بالنسبة لتاريخ علم النبات يثبت مقدرة البيروني في العلوم الطبيعية. انظر في تحقيق معالم الهند، حيدرآباد، العثمانية، المجلدان ١٩٥٧ - ١٩٥٨ م وتحقيق ادورد ساخو، لندن، ١٨٨٥ م (وطبع ١٩١٠ م)، ج ١: ص ٤٠٠ بالإنكليزية (ص ٢٠٠ النص العربي).
(٤) يعطينا البيروني تحليلا علميا لأحوال الحواس الخمس ووظائفها ونفعها للجسم، ككل وقد تكلم في ذلك علماء الإغريق مثل ثيوفراستس وكتب عنه الكثيرون في العصر العربي الإسلامي كالمجوسي الآنف الذكر وغيره، انظر عبد اللطيف موفق الدين البغدادي، مقالتان في الحواس ومسائل طبيعية دراسة وتحقيق بقلم بول غليونجي وسعيد عبده، الكويت، وزارة الإعلام، 1972 م في 205 ص.
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370