مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٢٧
فغض الطرف أنك من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا فلو وضعت ثياب بني نمير * على خبث الحديد إذا لذابا وأمثال:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا * ولو سلكت سبل المكارم ضلت السياسة من حال إلى حال في هذه الفترات كانت الأحوال السياسية في الجبل تتحول من حال إلى حال، ثم من هذا الحال إلى حال آخر، كانت جيوش إبراهيم باشا قد دخلت البلاد، وكان الأمير بشير حليف الفاتحين، فضموا إليه فيما ضموا جبل عامل وكانت له ثارات على العامليين وكان يحقد عليهم كل الحقد فزال عن الجبل ما كان له من تميز خاص وغدا تابعا لا سلطة لأمرائه، ولا سيادة لأهله، وتطور الحكم الجديد فغدا قاسيا عنيفا حاقدا، ومضى بلا خبرة له في حقائق الأمور فلم يحسن معالجتها، وقامت ثورة حسين بك الشبيب، وأخوه محمد علي بك الشبيب سنة 1836 م متحدية الحكم البشيري ومن ورائه الحكم الإبراهيمي واستطاعت أن تحقق نجاحا أول الأمر، ثم توارى زعيماها وانتهى أمرهما على أسوأ حال. فعانت البلاد ضغطا فظيعا، وقاست بلاء شديدا. وكان فيها مجموعة من الشعراء المجيدين، ولكننا لا نسمع لهم صوتا يدل على أنهم تبنوا شكوى الجبل وحملوا أحاسيسه.
موقف الشعراء؟
ما ذا؟... أخالوا رسالتهم الشعرية وانفضوا عن مجتمعهم الجريح غير مبالين بما يتعالى من أنين فيه، وغير مساهمين بما يتلظى فيه من حماسة مكبوتة؟
الواقع أنه ليس في أيدينا من شعر تلك الفترة ما يدل على أن شعراءها قد شاركوا في شئ من شجون الجبل، أو أنهم كانوا صدى لما يعتمل في نفوس أبنائه... فما ذا يعني ذلك؟ أن أول ما يتبادر إلى الذهن أن الشعراء ليسوا من رجال الشدائد، ولا هم ممن يجازف في نقمة عارمة ربما عادت على أصحابها بالشر العميم. ولذلك آثروا السكوت والانزواء.
ولكنا نلاحظ في نفس الوقت أن لا شعر لهم في الحكام الجدد، وأن ليس في أيدينا ما يدل على نوع الصلة التي كانت تربط هؤلاء بهؤلاء، ويكفي ذلك لأن نحمد للشعراء موقفهم، فهم إذا كانوا لم يساهموا في النقمة بشعرهم فإنهم لم يتملقوا الحاكمين ليكسبوا المال على حساب ظلم شعبهم واهتضام جبلهم، ليس في أيدينا شعر يدل على مدائح سطرت في الثناء على السلطات الجديدة.
وهكذا نجد أننا نفتقد كلا النوعين من الشعر شعر الثورة وشعر الخنوع...
فعلى أي شئ يدل ذلك...
لعل الشعراء قد شاركوا في النقمة بشعرهم، ولكن ظل هذا الشعر همسا لا يتعدى الجدران الخصوصية، ثم تمزق لطول ما استخفى.
ولكي نكون منصفين نقول أيضا: ولعل الشعراء لم يكونوا ثائرين، بل كانوا في الصف الآخر يتملقون الحاكمين، ثم لما انطوى علم هؤلاء وفاز خصومهم أخفى الشعراء شعرهم وأضاعوه.
من المؤسف أن لا يصلنا شعر يرجح أحد الرأيين، ومن الأكثر أسفا أن لا تحوي مجاميعنا شعرا كان يمكن أن يكون لو وجد من أغنى الشعر وأكثره لذة وجدوى.
حمد المحمود (1) كان زعيم الجبل يومذاك حمد البيك أو حمد المحمود وهو رجل من أنبغ من أنجبت أسرته. كان فارسا مقداما، وكان أديبا شاعرا. وتلقى حمد الحكم الإبراهيمي الجديد بأسى عميق، لقد أفقده سلطته، وغدا ظلا لا حول له ولا طول. ورأى فشل ثورة الشبيبيين فاثر الصبر، ولما لاحت له الفرصة ذهب يغتنمها، فقد أقبلت الجيوش العثمانية تطارد المصريين ووصلت طلائعها إلى حلب، وتحرك الأسطول الانكليزي بجبروته في البحر المتوسط، فاستصرخ حمد قومه فلبوه وزحف بهم ليلاقي الأمير مجيد الشهابي على جسر القاقعية فيهزمه ويمضي حيث يلتقي بالجيوش العثمانية في حمص ويخوض معها معاركها كلها على المصريين، ويعجب به القائد التركي عزت باشا فيعينه حاكما على جبل عامل ويطلب إليه أن يطارد المصريين في قلب الجبل وأن يتقدم إلى فلسطين، ويمضي حمد لما أودع إليه، فيلتقي بجيوش إبراهيم باشا في سهل رميش ثم في وادي الحبيس ثم في صميم فلسطين في شفا عمرو، ثم يحتل صفد ويمضي فيستولي بعدها على طبرية وعكة والناصرة وغيرها.
هنا في ساعات النصر يبرز الشعراء ملتفين حول حمد، مندفعين في تهنئته والإشادة بانتصاراته والتغني بأمجاد الجبل. وحمد كما قلنا إلى جانب مكانته، كان شاعرا. فاجتمع للشعراء: أمير تشوقه المدائح، وشاعر يفهم ما يقولون، وأمجاد مغرية بالمدح. فالتقى في قصر حمد مجموعة من الشعراء لم يلتق مثلها إلا في قصور الملوك السالفين.
ويخيل إليك وأنت تراجع شعر تلك الفترة أن حياة مصغرة لسيف الدولة الحمداني قد انبعثت في الجبل... وإذا كانت مدائح شعراء سيف الدولة تظل غير ممجوجة لأنها في جوهرها إشادة بانتصاراته على الروم، وتغن بالوقائع العسكرية العربية، وملاحم شعرية رائعة فكذلك هي مدائح شعراء حمد المحمود الوائلي، وكما كان سيف الدولة شاعرا ذواقة فكذلك كان حمد، وكما كان الأول فارسا مقداما فكذلك كان الثاني... وإذا كان ما بقي من أوراق تلك الفترة لم يسجل لنا مقادير العطايا، كما سجلها عصر سيف الدولة، فلا شك أن عطايا حمد كانت غير قليلة، لا سيما وقد أصبح الحاكم المطلق في البلاد، منصوبا من الدولة التي قدرت له موقفه فأطلقت يده في الجبل، وككل حاكم مطلق ينطلق في اجتناء أكثر ما يستطيع من المكاسب، انطلق حمد، فكان المال موفورا، واليد مبسوطة. فازدهر الشعر ازدهارا يعز مثيله وشهد جبل عامل عصرا ذهبيا للشعر.
وإذا كنا قد عرفنا الكثير من وقائع حمد، فإننا لم نعرف الكثير من شعره، فلم يكن يعني على ما يبدو بتدوين شعره، لأنه كان في شاغل عنه، شانه في ذلك شان سيف الدولة الذي لم يصلنا إلا القليل من شعره.
وكل ما لدي الآن وأنا أكتب هذا الكلام من شعر حمد هذان البيتان الغزليان اللذان قالت مجلة العرفان إن محمود باشا الشلبي رواهما لشبيب باشا الأسعد وأنه وجدهما في مجموع مخطوط (2):

(1) راجع ترجمته في الصفحة 230 وما بعدها من المجلد السادس.
(2) الجزء الأول من المجلد الثامن من مجلة العرفان الصفحة 67.
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370