العرب قد وصفوا ذلك في شعرهم. وهذا النوع من الحجارة يعرف الآن بالنيازك، وهي صخور حديدية ثقيلة جدا.
ويجدر بالذكر أن ابن سينا لم يذكر الحجر الناري الذي يتكون من حمم البراكين، ولعله لم يشاهد البراكين بنفسه. كذلك لم يكن قد عرف الحجر المتحول بسبب الضغط والحرارة من الأصلين الرسوبي والناري. وهذا متوقع، إذ إن هذا النوع من الصخور لم يعرف إلا في فترة متأخرة في القرن التاسع عشر. ويمكن تلخيص أنواع الحجارة وعلاقتها بتكون الجبال.
وأثناء التكلم عن أنواع الحجارة، يذكر ابن سينا وجود الأحافير في الحجارة ويعلل عملية التحفر فيقول: وإن كان ما يحكى من تحجر حيوانات ونباتات صحيحا فالسبب فيه شدة قوة معدنية محجرة تحدث في بعض البقاع الحجرية، أو تنفصل دفعة من الأرض في الزلزال والخسوف، فتحجر ما تلقاه، فإنه ليس استحالة الأجسام النباتية والحيوانية إلى الحجرية أبعد من استحالة المياه ولا من الممتنع في المركبات أن تغلب عليها قوة عنصر واحد يستحيل إليه، لأن كل واحد من العناصر التي فيها مما ليس من جنس ذلك العنصر، من شانه أن يستحيل إلى ذلك العنصر، ولهذا تستحيل الأجسام الواقعة في الملاحات إلى الملح، والأجسام الواقعة في الحريق إلى النار، ونلاحظ أن ابن سينا لم يدخل في جدل طويل في تعليل تحجر الحيوانات كما حدث في أوروبا، بل كانت لديه المسألة بديهية.
2 تكون الحجارة الكبيرة أو الكثيرة:
وهذا ما يسمى الآن بالتتابع الطبقي الصخري فيقول ابن سينا: وأما تكون حجر كبير فيكون إما دفعة، وذلك بسبب حر عظيم يعاصف طينا لزجا، وإما أن يكون قليلا على تواتر الأيام.
وبالمعنى تكون الحجر بالصورة الكبيرة أو الكثيرة يحدث عند جفاف أو تحجر الرسوبيات الطينية وغيرها بسبب الحرارة أو الجفاف، أو التحجر البطئ المتواصل في مدة طويلة. وهنا في جملة على تواتر الأيام يقرر ابن سينا أهمية الزمن الطويل في عملية تكوين الصخور بالكميات الكبيرة أو الكثيرة تلك الأهمية التي لم يعرفها العلماء الأقدمون بالصورة التي أوضحها ابن سينا، والتي عرفت بعد ذلك في القرن الثامن عشر.
3 تكوين الجبال، أو ما له ارتفاع وسمو:
ينتقل ابن سينا في المرحلة التالية بعد أن شرح كيفية تكون الحجارة وكيفية تكون الحجارة بكميات كثيرة إلى عملية تكوين الجبال بارتفاع الحجارة الكثيرة ونحت السيول لها تاركة الوديان والجبال العالية. فيقول: وأما الارتفاع فقد يقع لذلك سبب بالذات، وقد يقع له سبب بالعرض أي سبب داخلي وسبب خارجي المؤلف، أما السبب بالذات، فكما يتفق عن كثير من الزلازل القوية أن ترفع الريح الفاعلة للزلزلة طائفة من الأرض، وتحدث رابية من الروابي دفعة، وأما الذي بالعرض فان يعرض لبعض الأجزاء من الأرض انحفار دون بعض، بان تكون رياح نسافة أو مياه حفارة تتفق لها حركة على جزء من الأرض دون جزء، فيتحفر ما تسيل عليه ويبقى ما لا تسيل عليه رابيا، ثم لا تزال السيول تغوص في الحفر الأول إلى أن تغور غورا شديدا، ويبقى ما انحرف عنه شاهقا. وهذا كالمحقق من أمور الجبال وما بينها من الحفر والمسالك.
وهنا يقرر ابن سينا ببساطة عمليتين لرفع الأحجار أو الصخور التي تكونت بالوسائل السابقة، وذلك بواسطة قوى داخلية أو موضوعية بالذات، وهذا الارتفاع يحدث أثناء الزلازل أو ما يسمى بالكوارث.
وبواسطة قوى خارجية بالعرض، وهذه هي عوامل التجوية بواسطة المياه والرياح ونحت المياه أثناء السيول في مناطق من الأرض دون الأخرى. فالمكان الذي تسيل عليه الأمطار يتحفر وينتج عنه الأدوية، وتبقى المناطق العالية جبالا.
ويعود ابن سينا ليشرح ويؤكد ما ذكر سابقا مبينا أهمية الزمن الطويل في إجراء العمليات الجيولوجية، فيقول: وربما كان الماء أو الريح متفق الفيضان، إلا أن أجزاء الأرض تكون مختلفة، فيكون بعضها لينة وبعضها حجرية فينحف الترابي اللين، ويبقى الحجري مرتفعا. ثم لا يزال ذلك المسيل ينحفر على الأيام، ويتسع ويبقى النتوء، وكلما انحفر عنه الأرض كان شهوقه أكثر.
ويلخص ابن سينا بشئ من التوضيح أحوال تكون الجبال فيقول:
فهذه هي الأسباب الأكثرية لهذه الأحوال الثلاثة. فالجبال تكونها من أحد أسباب تكون الحجارة، والغالب أن تكونها من طين لزج على طول الزمان، تحجر في مدد لا تضبط فيشبه أن تكون هذه المعمورة أي الأرض قد كانت في سالف الأيام غير معمورة بل مغمورة في البحار، فتحجرت، إما بعد الانكشاف قليلا قليلا في مدد لا تفي التاريخات بحفظ أطرافها. وإما تحت المياه لشدة الحرارة المحتقنة تحت البحر.
وهنا يؤكد ابن سينا أهمية الزمن الجيولوجي الطويل جدا والذي لا يحصى في مقاييسهم آنذاك، وأيضا أهمية الحرارة الداخلية للأرض والتي عرفها جيمس هتون لأول مرة في اسكوتلندة في القرن الثامن عشر.
ويستمر ابن سينا قائلا: والأولى أن يكون بعد الانكشاف، وأن تكون طينتها تعينها على التحجر، إذ تكون طينتها لزجة. وهذا ما يوجد في كثير من الأحجار، إذا كسرت أجزاء الحيوانات المائية كالأصداف وغيرها. ولا يبعد أن تكون القوة المعدنية قد تولدت هناك فأعانت أيضا أي في داخل الصخور بواسطة الحرارة فتبلور المعادن وأن تكون مياه قد استحالت أيضا حجارة، لكن الأولى أن تكون الجبال على هذه الجملة، ولكثرة ما فيها من الحجر لكثرة ما يشتمل على البحر من الطين، ثم ينكشف عنه، وارتفاعها لما حفرته من السيول والرياح فيما بينها.
ولم يكتف ابن سينا في الشرح والتلخيص لكي يثبت فكرة تكون الجبال التي تولدت لديه من التأمل والمشاهدة، فيعيد صياغة أفكاره ليصل إلى التعليل العلمي لتلك العوامل الطبيعية اللازمة لعمل الانحفارات في الجبال من جراء الاستمرارية في العمل الطبيعي والزمن الطويل.
وهذا ما ينطبق على المفهوم الجيولوجي المعروف: مذهب اطراد القوى أو مفهوم انتظام العوامل الجيولوجية وهو المذهب القائل باستمرارية العوامل الجيولوجية، أي أن الذي يحدث الآن من عوامل تجوية ونحت وترسيب...