والعشرين. ويمكن تلخيص تلك المفاهيم والأسس العلمية التي كان النقاش يدور حولها طيلة تلك الفترات الزمنية كالآتي:
1 معنى وأهمية الأحافير.
2 استمرارية العوامل الجيولوجية أو قاعدة الانتظام.
3 قانون تتابع الطبقات.
4 الزمن الجيولوجي الطويل.
5 مفهوم الكوارث الجيولوجية.
إن الاضطراد في الاكتشافات الجيولوجية المتأخرة والمتعمدة على التكنولوجيا يجب أن لا تغفلنا عن الماضي، فالجيولوجيون المحدثون ليسوا بأكثر ذكاء من السابقين، كما أن الإنجازات الحدثة تنبع من التطور التاريخي للأفكار والطرق العلمية. إن التاريخ الطويل للجيولوجيا في أوروبا يحمل تفاوتا كبيرا في وجهات النظر بين العلماء في المسائل الجيولوجية على اختلاف مذاهبهم العلمية.
وأهمية ابن سينا في تاريخ الجيولوجيا تنبع من شهرته الواسعة الناتجة من ترجمة كتبه في أوروبا بالرغم من وجود علماء مسلمين آخرين كانوا قد خاضوا هذا المضمار العلمي، ومن أولئك العلماء من عاصر ابن سينا، وربما يكون قد أخذ عنهم.
وتأتي شهرة كتب ابن سينا من أنها شاملة المحتوى كالموسوعات العلمية التي احتوت على أعماله وغيرها المعتمدة على سرد الحقائق دون التركيز على أقوال الأفراد. لذا فان كتبه الشهيرة كالقانون في الطب قد استعملت ككتب مقررة في الجامعات الغربية لفترات زمنية طويلة.
وكلمة أخيرة في هذه المقدمة هي أن تاريخ أي علم يجب أن لا يكون بسرد أسماء العلماء والكتب، فليس كل مخطوط نتاجا علميا ثمينا، بل يجب التركيز في العمل العلمي التاريخي على تطور المفاهيم العلمية زمنيا، إذ أنها تعكس التطور الفكري الإنساني عبر العصور، وهذا يكون في غاية الأهمية في مجال تاريخ الجيولوجيا، إذا أنها تعبر عن علاقة الإنسان بالأرض والكون ومدى شعور وتفكير الإنسان فيهما.
إنه لظلم للانسانية إذا فرضنا كما هو مفروض في أوروبا أن الإنسان حصر كل ما أوتي من تفكير علمي ورياضي وفلكي في الأرض وما حوله بعصور الإغريق والعصور الأوروبية الحديثة فقط. فالخطأ ليس في الإنسانية التي لم تفكر في الأرض خلال العصور الأوروبية المظلمة، وإنما الخطأ في العلماء والمؤرخين الغربيين الذين تناسوا ذكر الأعمال الجليلة التي قام بها العلماء العرب والمسلمون في مجال علوم الأرض، هذه العلوم التي لولاها لما كان علم جيولوجيا حديث، ولا اكتشافات معدنية ونفطية ثمينة، ولبقيت أوروبا والعالم بعد انحطاط الحضارة العربية الاسلامية في دياجير الظلام التي كانت تعيشها في القرون الوسطى.
أسس الجيولوجيا في المعادن والآثار العلوية عند دراسة هذا الفصل بصورة دقيقة فإننا نلمس عمق التفكير العلمي لدى ابن سينا المبني على المشاهدة والتأمل للظواهر الجيولوجية المختلفة للوصول إلى التعليل العلمي المعقول لها. هذا فضلا عن الكتابة العلمية السهلة.
فيبدأ الفصل بقوله:
لنبتدئ أولا ولنحقق حال تكون الجبال. والمباحث التي يجب أن تعلم في ذلك. أولها: حال تكون الحجارة، والثاني: حال تكون الحجارة الكبيرة أو الكثيرة، والثالث: حال تكون ما يكون له ارتفاع وسمو.
فبهذا يقرر ابن سينا الحقيقة الثابتة وهي: أنه لتكون الجبال يجب أن يعرف أولا حال تكون الحجارة، ومن ثم الحجر الكبير أو الكثير والذي بعد الارتفاع يكون الجبال. هذه الحقيقة شغلت العلماء لقرون عديدة في أوروبا للوصول إلى نفس النتيجة التي وصل إليها ابن سينا في بحثه عن تكون الجبال. وهذا ما سنشرحه تباعا في هذا البحث.
1 تكون الحجارة:
لتكون الحجارة، يقرر ابن سينا ثلاثة أصول، وهي: الطين أو الماء أو النار. وهذه الأصول تعرف الآن بالأصل الرسوبي الطين أو الماء والأصل الناري. أما الأصل الآخر الذي لم يعرفه ابن سينا واكتشف في القرون المتأخرة فهو الأصل المتحول من الصخور الرسوبية والنارية. فعن النوع الأول الذي يتكون من أصل الطين يقول ابن سينا:
فكثير من الطين يجف ويستحيل أولا شيئا من الحجر والطين، وهو حجر رخو، ثم يستحيل حجرا، وأولى الطينات بذلك ما كان لزجا، فان لم يكن لزجا فإنه يتفتت في أكثر الأمر قبل أن يتحجر.
وقد استدل لكل نوع من أنواع الحجارة بأمثلة، فيقول:
وقد شاهدنا في طفولتنا في مواضع كان فيها الطين وذلك في شط جيحون، ثم شاهدناه قد تحجر تحجرا رخوا والمدة قريبة من ثلاث وعشرين سنة. وشط جيحون يسمى حاليا بنهر آمور داريا أو الأقصص، ويقع في الحدود بين أفغانستان والاتحاد السوفيتي، وقد كرر ابن سينا ذكر هذا النهر في مرات لاحقة، كما أوضح الإصطخري ت 340 ه 951 م بخريطة مشابهة موقع هذا النهر. وهذا النوع من الحجارة الرسوبية يعرف الآن بالصخور التفتية.
أما عن النوع الثاني الذي يتكون من أصل الماء فيقول ابن سينا:
وقد تتكون الحجارة من الماء السيال على وجهين: أحدهما أن يجمد الماء كما يقطر أو كما يسيل برمته. والثاني يرسب منه من سيلانه شئ يلزم وجه مسيله ويتحجر. وقد شوهدت مياه تسيل، فما يقطر منها على موضع معلوم ينعقد حجرا أو حصى مختلفة الألوان. وهذا النوع يعرف الآن بالصخور الكيميائية أو التبخرية.
وعن النوع الثالث من الحجارة، يقول ابن سينا:
وقد تتكون أنواع من الحجارة من النار إذا أطفئت، وكثيرا ما يحدث في الصواعق أجسام حديدية وحجرية بسبب ما يعرض للنارية أن تطفا فتصير باردة يابسة.
ويذكر ابن سينا أن أحد تلك الأجسام وزن 150 طنا، ويستشهد على ذلك بسقوط تلك الأجسام من الصواعق في بلاد الترك وخراسان وأصفهان، كذلك ويذكر أن السيوف اليمانية كانت تتخذ من مثل هذا الحديد، وشعراء