يثير عجاجة في كل ثغر * يهيم به عدي بن الرقاع وحتى إن الشريف الرضي وهو من هو يقول:
ويعجبني البعاد كان قلبي * يحدث عن عدي بن الرقاع وحتى إن شاعرا آخر من أكبر شعراء العرب هو علي بن المقرب الأحسائي يشير إليه في قوله:
أهم بهجوهم فأرى ضلالا * هجائي دون رهط ابن الرقاع ويصعب جدا إيجاز الحديث عن هذا الشاعر العاملي، لأن الحديث عنه متعدد الجوانب متشعب النواحي، ولكن لا بد من ذكر معركته مع جرير لنرى منها كفاءته وقوته.
معركة الشاعر العاملي مع جرير لقد كان جرير هو السائد في بلاط الأمويين، وكان لسانه جمرة من الجمرات، بل شفرة من إحدى الشفرات التي تحز في المفاصل فتقطع قطعا ذريعا.
وكانت المعركة الشعرية تحتدم بينه وبين الفرزدق فلا يستطيع أحدهما التغلب على الآخر، ولا يقدر أي منهما أن يحمل صاحبه على الانسحاب مقهورا مغلوبا.
ولكن الشاعر العاملي استطاع وظفر من جرير بما لم يظفر به لا الفرزدق ولا الأخطل ولا غيرهما. ومن غيرهما عند ما يذكر هذان البطلان؟...
إذا استطاع الفرزدق أن يقول:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع كان جرير مستطيعا أن يقول:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا * أبشر بطول سلامة يا مربع فإذا أفحش جرير كان الفرزدق مستعدا لأن يكون أكثر إفحاشا.
ولم نعرف أن معركة انتهت بينهما على غالب ومغلوب، بل ظلا أبدا لا غالبا ولا مغلوبا، أو غالبا وغالبا، أو مغلوبا ومغلوبا.
ولكن عدي بن الرقاع العاملي استطاع ما لم يستطعه غيره، استطاع أن يهزم جريرا وأن يضطره إلى الاعتراف بالهزيمة.
هزيمة جرير ويبدو أن جريرا استهان به أول الأمر فأراد السخرية من هذا الشاعر الوافد من الجبل إلى دمشق يريد أن يزاحم الفحول على أبواب الملوك، فرماه ببيت من الشعر تقضي الكياسة بان لا نذكر إلا صدره وهو: يقصر باع العاملي عن العلى. وقد ظن جرير أنه قد أخجله وأسكته، ولكن عديا انبرى له بالبيت الذي تقضي الكياسة أيضا أن لا نذكر إلا عجزه وهو: أم أنت امرؤ لم تدر كيف تقول. فبهت جرير وأدرك أنه هزم هزيمة شنعاء وهو الذي لم يهزم من قبل وخاف مغبة الاسترسال مع هذا الشاعر القوي فاثر الانسحاب من المعركة والاعتراف بالهزيمة لأول مرة في حياته، فاجابه: بل أنا امرؤ لم أدر كيف أقول.
ويروي الفرزدق لقاءه الأول هو وجرير لعدي بهذا النص: كنت في المجلس وجرير إلى جانبي، فلما ابتدأ عدي في قصيدته:
عرف الديار توهما فاعتادها * من بعد ما درس البلى إبلادها قلت لجرير مشيرا إلى عدي: هلم نسخر من هذا الشامي، فلما ذقنا كلامه يئسنا منه.
بعض شعره وإذا كان المجال يضيق في هذه المقالة عن تعداد شعره ودراسته دراسة موضحة، فإننا نذكر له أبياتا غزلية من أرق الشعر العربي كقوله:
وكأنها بين النساء أعارها * عينيه أحور من جاذر جاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت * في جفنه سنة وليس بنائم وكقوله:
لو ثوى لا يريمها ألف حول * لم يطل عندها عليه الثواء أهواها شفه أم أعيرت * منظرا غير ما أعير النساء ويروي المؤرخون أنه لما وصل في إنشاد قصيدته الدالية إلى هذا البيت:
تزجي أغن كان أبرة روقه * قلم أصاب من الدواة مدادها وسمعه الشعراء سجدوا له، فلما استغرب الناس أن يسجد الشعراء لبيت من الشعر، قال الشعراء: إنا نعرف مواضع السجود في الشعر كما تعرفون مواضع السجود في القرآن.
ومن الإبداع في شعره في غير الغزل قوله:
والناس أشباه وبين حلومهم * بون كذاك تفاضل الأشياء بل ما رأيت جبال أرض تستوي * فيما عسيت ولا نجوم سماء والمجد يورثه امرؤ أشباهه * ويموت آخر وهو في الأحياء وسأظلم عدي بن الرقاع أن قلت أن ما ذكرته عنه وما استشهدت به من شعره يمثله تمثيلا صحيحا ويعطينا الصورة التي نريدها عنه، فهذا العاملي النابغ لا تقوم بحقه مثل هذه السطور القليلة.
في العهد العباسي وفي العصر العباسي عند ما برز أبو تمام والبحتري والمتنبي والمعري والرضي والحمداني وغيرهم برز من جبل عامل شاعر جارى الفحول فكان في الطليعة منهم، ذاك هو عبد المحسن الصوري المتوفى سنة 419 هجرية،.
وإذا كان عدي بن الرقاع سليل القمم العاملية فان عبد المحسن سليل الشواطئ منها، فهو من مدينة صور بالذات ومنها استمد لقبه.
ومع أنه كان لهذا الشاعر شهرة مدوية بين معاصريه فان ديوانه لم يطبع حتى اليوم وكانت توجد منه نسخة مخطوطة في خزانة المرحوم الشيخ محمد رضا الشبيبي نسخها والده الشيخ جواد علي نسخة قديمة من مخطوطات أوائل القرن السادس الهجري.
ومن الظواهر في شعره ما يدل على مدى ترابط البلدان العربية في عهده، فان وفاة تحدث في بغداد تستجيش شاعرا في صور فيرثي الميت ويبكيه بأحر الدموع، فقد توفي العالم الكبير المفكر محمد بن محمد النعمان الذي اشتهر