من تشخيصه للمرض قبل بدء المعالجة فهو يقول: وأول ما يجب عليك أن تتفقده في كل قولنج تفقدا صالحا أنه: هل العلة قولنج أو مغص؟
15 ب لأنها إذا كانت مغصا ماذا يحدث للمريض؟ فإذا كانت العلة مغصا وكانت الطبيعة مستعدة لينة أو خلفه فحقنت أو سقيت ما يستفرغ كان في ذلك خطر عظيم. 15 ب وهو يعود لينبه الطبيب المعالج بأنه قد يخلط هذا المرض مع الورم قائلا: وكذلك إمكان ابتداء ورم محتبسة قولنجا باردا أو ريحيا أو نوعا آخر فحقنت وسقيت مستفرغا أوقعت العلي من أمر مخوف 16 ب.
61 يؤكد العلامة ابن سينا على التمهل في العلاج واختبار العلاج الذي لا يؤدي إلى مضاعفات لا يستطيع الجسم ردها فهو يقول: وإذا علمت أن العلة شديدة للمادة غليظة فإياك والمدافعة والاشتغال برقيق العلاج وضعيفه فان القوة إذا سقطت لم ينجح الدواء القوي ولا الضعيف. 16 أ.
وهل يجد الطبيب نصيحة من أستاذه أحسن من قول الشيخ الرئيس؟
ويجب أن تزن الدواء بقدر الداء. 16 أو الكل يعلم اليوم أن كثيرا من الأمراض يسببها الطبيب لمريضه بالمعالجة الخاطئة التي ينبهنا لها الشيخ الرئيس قبل ألف عام.
62 إن الشيخ الرئيس يعود لينصح الطبيب من مغبة الادمان الذي قد يسببه للمريض بالمعالجة فهو يقول: والآبزن يجب ألا يكب على استعماله كل وقت وخصوصا مع الغشي، لأنه إذا كان هناك غشي ضر ضرارا عظيما وإذا أدمن كمن البرد من الأمعاء. 16 أ.
63 إن التجربة العلاجية مسموح بها للطبيب المعالج في عصرنا هذا، وهو ما يشير إليه الشيخ الرئيس بقوله: وأما التكميد فيعتمد من التجربة، فان كان يهيج الوجع ترك أصلا 16 أ.
64 إن الشيخ ابن سينا يؤكد على أهمية الغذاء في المعالجة لكل نوع من أنواع القولنج، كما يتناول بالتفصيل طريقة إعداد الغذاء والمواد الواجب إضافتها لكل نوع، ففي الصفحة 17 أمن المخطوطة يؤكد على هذا فهو يقول: فليقتصر تحسي شورباجة مطبوخا فيه الحمص ومطيبة بالشبت والدارسين ويتناول في وقت لا يؤذي فيه الغشي. 17 أ. وهو يحدد وقت التناول أيضا.
65 إنه يؤكد على الطبيب بعدم الخطأ في التشخيص لأن ذلك يؤدي إلى وصف الغذاء المغلوط أيضا وهذا ما يشير إليه بقوله: ومن الخطأ الذي يقع للأطباء في هذا الباب أن يحسبوا العلة ثفلية فتناولوا مثل البنفسج والشيرخشت خاصة فيفسد مزاج المعدة وبرودها. 17 ب.
66 إنه لا يكتفي بوصف الغذاء فقط ولكن يصف ما يجب على الطبيب أن يجنب مريضه من تناوله وهو ما نطلق عليه اليوم بالنواهي فهو يقول مثلا: ويجب أن يجتنبوا البقول حتى الحارة فإنها لا تخلو من نفخ ما خلا السذاب والهليون وروس الكراث النبطي والقرطم وينفعهم جدا وقد مدح لهم السمسم: وإما أن للمشدة مضرته بالمعدة ويهيج الغثيان 17 ب. وهو يحاول أن يشرح أسباب النواهي حسب التركيب الغذائي فهو يقول: وإما أن للمشدة مضرته بالمعدة ويهيج الغثيان ولأن جوهر مادته لهذه العلة اللزوجة وإن كانت قوته جلاءه وفيه تلين فلست أحبه في هذه العلم، واعلم أنه ينفع أولا ثم يضر. 17 ب.
67 إن الشيخ الرئيس لا يترك المريض دون أن يكمل له علاجه فهو يعلق على الماء ولا ينسى خواصه الفيزياوية، وهو يعرف أن الماء قد يؤدي إلى الإمساك ويجب معالجته قبل تناوله في بعض الحالات فهو يقول: وأما شرب الماء فيجب أن يقللوا منه ما قدروا وخصوصا من الماء البارد المثلج، وأن لا يستوفوا الري دفعة بل يتجرعوه قليلا قليلا ويتجنبوا ما فيه قوة قابضة مثل المياه الشبية، وأما الكبريتية فإنها لا تضر ضرر الشبية بل ربما كانت خيرا من العذبة، ويجب أن يكون الماء الذي تشربونه ماء خفيفا جدا فان أعوز فيجب أن يصعر ويخلط بمدر مشموصة من طين حر ويحمض تمحيض اللبن شيئا كثيرا ثم يصفى ويشرب. 18 أ.
إننا نمارس شرب الماء جرعا جرعا في الحالات المرضية لأن الامتلاء المفاجئ للمعدة قد يسبب الغثيان والقئ وهذا ما يريد الشيخ الرئيس أن يجنب مريضه منه في ذلك الوقت.
68 إن طبيب اليوم يذكر أوزان الأدوية في الوصفة حسب تأثير الأدوية التي يطلبها كما أن يبدل فيها عند ما ينشد مفعولا خاصا حسب نوع المرض وهذا ما يتبعه الشيخ الرئيس بالتفصيل فقوله: الفصل الثاني في تدبير الأدوية التي يشربها أصحاب القولنج البارد، وأما الخفيف اللطيف الذي يجب أن يسقى في الابتداء كما يبتدئ النخس قبل أن تتمكن العلة والأرياح نحو مثقال ومعه نصف درهم تربد أو صبر مثقال وسكبنج نصف مثقال أو أيارج درهم وسقمونيا دانق وتربد نصف درهم وثماريقون دانقان فان أريد أن يكون أسرع إسهالا وكانت المادة كثيرة ركب هذا بايارج مثقال شحم الحنظل ربع درهم ملح نبطي وسقمونيا مكد دانق ودانقين ودقوا. 18 ب. فما ذا يريد الصيدلي أكثر من توضيح هذه الوصفة بصورة عمودية متسلسلة لتصبح وصفة موصوفة اليوم؟.
إن الأوزان المذكورة معروفة للصيدلي وإلا لما ركز عليها الشيخ الرئيس، وهذا ما يدل عليه وصفه للعلاج وتغيير تراكيبه، فالطبيب لا يكتب وصفة لنفسه بل لصيدلي عارف يقوم بتحضيرها له.
69 من الصعب التعليق طبيا على فعالية المواد المذكورة في الكتاب ولمختلف الأمراض، وذلك لأن أسماء الكثير من المواد لا نعرفها بالضبط ويجوز أن قسما منها مستعمل فعلا في تراكيب الأدوية الحديثة، أما الفعالية الطبية فلا تطلق جزافا دون التجربة والبحث الطبي لتقصي تلك الحقائق ومعرفة مدى فعالية هذه الأدوية التي سبق وأن جربت وأعطت فعالية علاجية وهي مجال واسع رحب يغطي أحد أسباب البحث في إبراز المخطوطات الطبية ومعرفة محتوياتها إكمالا للفائدة الإنسانية وإظهار الحق في مدى مساهمة الفكر العربي والاسلامي في الحقول الطبية التي يحاول الغرب طمسها.
70 إن الشيخ الرئيس يكمل وصفه للوصفة الطبية بالإشارة إلى ما نسميه اليوم الجرعة: فهو يقول: والشربة نصف مثقال. 18 ب.
ولا ينسى أن يضيف الوقت الذي يجيب على المريض أن يتناول فيه العلاج فهو يقول: ويسقى بعده بساعتين هذا الشراب. 18 ب.