فهرست مقالاتها وفصولها 2 أ.
5 إن الشيخ الرئيس يحاول أن يشرح فسلجة الجسم والمراكز والمسؤولة عن وظائف الأعضاء فهو يقول: اعلم أن الأفعال الضرورية من قوام الحيوان فعل تغذية البدن ويصدر عن القوة الطبيعية، وفعل تغذية الروح وتعديلها ويصدر عن القوة الحيوانية، وفعل الحركة ويصدر عن القوة النفسانية 2 أ.
إن هذا التفصيل يشبه ما نعرفه اليوم من الفسلجة فالتغذية تفصلها عن التنفس وهما منفصلان عن الحس والحركة.
6 كما إنه شرح موضع كل من الأعضاء في الجسم مشيرا إلى سيطرة كل عضو على العضو الآخر قائلا: وقد أعد الخالق لكل واحد من تلك الأعضاء التي تخص فعلا منها تجويفا وخزانة تحويه، فأعضاء التغذية للبدن هي المعدة والكبد ويدخل معها الكبد الطحالي والمرارة والكليتان والأمعاء والتجويف الذي يحويها هو الفضاء الذي يبطن ويحيط به المراق والصلب من الأسفل ومن الخلف والحجاب الحاجز المسمى ذيافر عما من فوق 2 أ.
7 إن أعضاء التغذية لدى الشيخ الرئيس لا تختلف عما نعرفه اليوم ما عدا الكبد الطحالي الذي لا يدخل في التغذية، أما الكليتان فهما تشتركان بالهضم وبطرح الفضلات الممتصة والزائدة بعد عملية التمثيل، كما أن ربط الكبد بالعملية الغذائية مفخرة في وقت لا يعرف فيه اختصاص الكيمياء الحيوية.
8 إن الحجاب التشريحي في وصف مكامن الأعضاء يدل على أن التشريح معروف لدى الشيخ الرئيس وليست أقواله مجرد حدس وتخمين، فقوله: أعضاء تربية الروح وتغذية القلب والرئتين وقصبتهما والتجويف الذي يحويها هو الفضاء الذي تحده، أما من قدام فالقفص وأضلاع الصدر، ومن خلف الظهر الأعلى ومن فوق الترقوة والعنق ومن تحت الحجاب الحاجز 2 ب. وهو ما نعرفه اليوم تشريحيا ووظيفيا.
9 ويستمر على هذا المنوال في الوصف التشريحي للدماغ والنخاع مبينا أنهما أساس الحياة وكل ما عدا ذلك توابع لها بقوله: هذه الأعضاء التي تحيط بها هذه التجاويف هي الأعضاء الضرورية في قوام الحياة وسائر الأعضاء أطراف لها وهي غير ضرورية 2 ب وهو ما توصل إليه العلم الحديث الذي يعلن الوفاة بتوقف الدماغ لا القلب.
10 يعترف ابن سينا بان رطوبة الماء هي قوام الحياة فهو يقول:
وجعل قوام جوهره من الرطوبة 3 أهو أساس الفسلجة في العصر الحديث حيث تعتبر الماء العنصر الأساسي في التكوين الحيواني كما أن الفعاليات الحياتية: معروفة له فهو يصفها بقوله: وكان الحار الذي فيه والحار المحيط به يحلل جوهره 3 أو هي العمليات الحياتية الوظيفية المعروفة لدينا بالتآيض والتمثيل.
11 إن الإنسان يتغذى ويعيش على ما يتحلل من جوهر مشابه لجوهره وهو يحلل في بدنه هذا الجوهر المعوض بما يحضره من الأغذية. وهذا ما يشير إليه الشيخ الرئيس بقوله: وجب أن يدبر بالحكمة لبدنه تدبيرا يحصل له بدل ما يتحلل عنه فهيا له مما يحضره أجساما من شانها أن يستحيل إلى مشاكلة جوهره فيسد مسد التحلل منه وهذا هو الغذاء وأعد له أعضاء فيها ينضح هذا الشئ الذي هو الغذاء 3 أ.
12 إن الغذاء الذي يتناوله الكائن الحي لا يستحيل بكامله لجوهر الكائن بل يبقى منه فضلات غذائية، وهذا أيضا معروف لدى ابن سينا فهو يعرف أن بعض الغذاء يبقى ويجب لفظه خارج الجسم فهو يقول: ويبقى منه فضل مؤذيا باحتباسه خلق له آلات دفع الفضول 3 أ. كما يعترف أن الفضلات إن بقيت في الجسم فهي تؤذيه وهو ما معروف طبيا الآن باعراض الإمساك والذي يجهد الطبيب نفسه بمعالجتها.
13 إن الوصف الوظيفي للعضو في الجسم مهم من الناحية الفيزيولوجية وبخاصة إذا جمع معه الوصف التشريحي للعضو وهذا ما يتبعه الشيخ الرئيس فهو يبين أسباب خلق الأمعاء بصورتها الحالية وماذا يحدث لو أن الخالق سبحانه وتعالى جعلها بصورة غير صورتها الحالية، فهو يقول في خلق الأمعاء: صلبة بالقياس إلى سائر الأمعاء لينة بالقياس إلى الباسط الماد، ولو خلقها عظمية لما أطاعت الانبساط عند الامتلاء والانتفاخ من الرياح ولكانت ثقيلة مؤذية عند الحركة ولو خلقها لحمية لكانت تعرض للانخراق عند تمديد الأثفال والرياح 3 ب. 14 كما إن الجانب الوظيفي في الأمعاء هو سبب خلقها بطبقتين فهو يقول: وخلقها من طبقتين لتكون أمتن وأثخن وأصبر على ما يزاحمها من الأثفال المنعقدة واليابسة ويلذعها من الأخلاط الحادة. 3 ب. وهو ما معروف لدينا من ناحية دراسة الأنسجة أن هنالك طبقتين في الأمعاء في الوقت الذي لم يعرف فيه الميكروسكوب في ذلك الوقت.
15 أثبت العلم الحديث أن الغذاء يهضم في الأمعاء ثم تمتصه الأمعاء ليحال بواسطة الدورة الدموية إلى الكبد حيث يعمل عليه ليحيله إلى مواد أخرى صالحة للتآيض والتمثيل.
ولاكمال تلك العملية احتاجت الأمعاء لطول كبير ووقت يبقى الغذاء فيها ملامسا للشعيرات المعوية يكفي للامتصاص وكانت حكمة الخالق هي أن يفرق الإنسان من الحيوان فلم يجعله بهيمة تهتم بالأكل والتبرز ولم يخلقه حيوانا مجترا. إن ذلك هو ما جاء بالنص في كلام الشيخ الرئيس في الصفحة 4 أ من أولها إلى آخرها.
16 إن حقيقة طول الأمعاء التي أكدها ابن سينا أثبت العلم أهميتها من الناحية العلاجية، فالجراح اليوم يسرع بمعالجة التواء الأمعاء مخافة أن يضطر إلى قص وإزالة بعض منها نتيجة لموتها باحتباس الدم والدورة الدموية أثناء الالتواء، والسبب معروف اليوم: حيث إن قصر الأمعاء سوف يؤدي إلى الاسهال وفقدان السوائل والوفاة، كما أن العلم الحديث بين أهمية مكث الغذاء في تلافيف الأمعاء لغرض الامتصاص، فالاسراع المعوي حالة مرضية تحتاج وتتطلب المعالجة. يبدو أن ذلك الوصف هو نتيجة للتحكيم المنطقي، ولكن هذا يدل على تفهم وظيفي للعضو البشري نتيجة لدقة الملاحظة وضبط المشاهدة والربط الفكري والتتبع المرضي والعلاجي.
17 إن تشريح الأمعاء لدى الشيخ الرئيس يبدأ بالاثني عشري ثم الصائم ثم الدقيق واللفائفي ثم الأعور فالقولون والمستقيم، وهو السرم مشابه