ذلك قول زوسيموس: إن الأثالي اليابس يكون إذا طبخ بمائه حتى يجف وتذهب رطوبته ويتغير من البياض إلى الحمرة. وهو الذي يسميه الحكيم زئبقا وكبريتا.
وقول بليناس وهو يصف انقلاب الفضة في معدنها ذهبا: ثم يلح عليه الطباخ بحرارته ويقطع عنه الغذاء من الرطوبة ويصير يابسا بحرارة النار، فإذا ألح عليه النار في طباخها اتصلت الحرارة الطباخ بالجزء الذي هو في باطنها فقويا جميعا وظهرا على الفضة وانعدم البرد منها وبطن البياض في باطنها وظهرت الحمرة في استعلاء النار فصارت ذهبا.
اعلم أن المركب إذا صار ذهبا بعد ما كان ورقا فقد بقي فيه عمل كثير إلى أن يصير فرفيرا. وكذلك قال زوسيموس في حكاية عن موسى ع: خذ الحجر المعروف بالنسطريس، وهو العشرة الأنواع التي ذكرها الحكيم، واجعلها خميرا لذهب الذهب الذي سموه الصدى قد اختلط بالصمغ إلى أن ينعقد ويتحد طبخها وإلى أن نجدها فرفيرا.
اعلم أنهم حين قسموا المركب عشرة أقسام سموا هذه الأقسام أجسادا. وإنما سموا الثفل الباقي أجسادا.
ويدل على ذلك قول آرس: إنهم خلطوا الأجساد بعضها ببعض فامتزجت فاسمك بعضها بعضا بالماء المخلوط بها، ثم دبرت فصارت كلها زئبقا واحدا فسمتها الحسدة ماء الكبريت، وسموها كباريت استخرجت من الأجساد. وإنما هذا كله استخراج روح الأجساد حتى يصير زئبقا واحدا في رأي العين.
قال آرس: ومعنى قوله ألصقوا الزئبق بجسد المغنيسيا وبعبارة أخرى خذوا الزئبق فألصقوه بالكباريت. قال: إنما أمركم أن تأخذوا الزئبق المركب المدبر فتلصقوه بالجسد النقي، وذلك بعد ذهاب السواد، فيصير الذهب حجرا ورقيا، ثم يصير زعفرانا، ثم يصير فرفيرا. اعلم أنهم يريدون بالسواد الأرضية، وذلك أن للأجساد ظلمة وسوادا. وذلك السواد والغلظ من أرضيتها، وإنما يذهب بالتدبير الذي به يبيض النحاس وبه يحرق، وبه يذهب ظله، وذلك بالزئبق والنار.
وقال في موضع آخر: إن العمل التام لا يخرج إلا بالرفق وحسن التدبير، وإن النار والزئبق لا يقدران أن يصيرا الأجساد غير أجساد حتى يذهب رجرجته وبريقه ويلصق بالأجساد رطبا وحتى يصير ترابا شبيها من الأجساد، لأن الزئبق إن لصق بالأجساد خرج ما أعلمتكم، وهناك يسمونه ماء الكبريت النقي.
وقال أيضا: إن الأرواح إذا جسدت تألفها الأجساد في التقليب والتبييض والتحمير.
وقال: هذه العشرة الأشياء تسمى إذا تمت الأصباغ وهي من ألغام الزئبق الخرثقلا. وهذه الكبريتة البيضاء تسمى إكليل الغلبة. أقول إنما تسمى إكليلا لأن الركن الثابت يسمونه ملكا، وهذه الكبريتة تطفو فوقه فتصير إكليلا له، ويسمونه سما لأنه يفتت الجسد وينشف رطوبته، كما يفعل السم بأجساد الحيوان.
وهذه الأصباغ ربما قسموها سبعة أقسام وسموها بأسماء السبعة المتحيرة.
وقول الحكيم: إنه يواتيك على رأي الأوزان شئت إلا أن تدخل عليه غريبا أو تجعله ناقصا من نجومه. يعني إن لم يستخرج منه تمام الأصباغ التي شبهت بالنجوم السبعة. وأقوال إن هذه السبعة هي آخر العمل بعد البياض. ولذلك قال خالد بن يزيد بن معاوية:
وعليك بالتعفين بعد بياضه في فارس سبعا من السبعات (19) وقبلها أربعة للبياض، وهي التي قالوا فيها يبيض النحاس ويلين الحديد ويذهب بصير القلعي ورطوبة الآبار.
وباجتماع الأربعة والسبعة يتم قول هرقل: " إن في البياض أحد عشر سرا ".
وربما قسموا المركب التام ثلاثة أقسام وسموه هرمس المثلث بالنعمة (21)