فأرعدوا وأبرقوا وأجلبوا ودبوا حتى أشرفوا على نهر صرصر فعبى لطاهر أصحابه كراديس ثم جعل يمر على كل كردوس منهم فيقول لا يغرنكم كثرة من ترون ولا يمنعكم استئمان من استأمن منهم فان النصر مع الصدق والثبات والفتح مع الصبر ورب فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ثم أمرهم بالتقدم فتقدموا واضطربوا بالسيوف مليا ثم إن الله ضرب أكتاف أهل بغداد فولوا منهزمين وأخلوا موضع عسكرهم فانتهب أصحاب طاهر كل ما كان فيه من سلاح ومال وبلغ الخبر محمدا فأمر بالعطاء فوضع وأخرج خزائنه وذخائره وفرق الصلات وجمع أهل الأرباض واعترض الناس على عينه فكان لا يرى أحدا وسيما حسن الرؤاء إلا خلع عليه وقوده وكان لا يقود أحدا إلا غلفت لحيته بالغالية وهم الذين يسمون قواد الغالية قال وفرق في قواده المحدثين لكل رجل منهم خمسمائة درهم وقارورة غالية ولم يعط جند القواد وأصحابهم شيئا وأتت عيون طاهر وجواسيسه طاهزا بذلك فراسلهم وكاتبهم ووعدهم واستمالهم وأغرى أصاغرهم بأكابرهم فشغبوا على محمد يوم الأربعاء لست خلون من ذي الحجة سنة 196 فقال رجل من أبناء أهل بغداد في ذلك:
قل للأمين الله في نفسه * ما شتت الجند سوى الغالية وطاهر نفسي تقى طاهرا * برسله والعدة الكافية أضحى زمام الملك في كفه * مقاتلا للفئة الباغية يا ناكثا أسلمه نكثه * عيوبه من خبثه فاشيه قد جاءك الليث بشداته * مستكلبا في أسد ضاريه فأهرب ولا مهرب من مثله * إلا إلى النار أو الهاويه قال ولما شغب الجند وصعب الامر على محمد شاور قواده فقيل له تدارك القوم فتلاف أمرك فان بهم قوام ملكك وهم بعد الله أزالوه عنك أيام الحسين وهم ردوه عليك وهم من قد عرفت نجدتهم وبأسهم فلج في أمرهم وأمر بقتالهم فوجه إليهم التنوخي وغيره من المستأمنة والاجناد الذين كانوا معه فعاجل القوم القتال