سقينا وسقيناهم * ولكن بهم الحرة كذاك الحرب أحيانا * علينا ولنا مره فذكر عن بعض الأبناء أن طاهرا بث رسله وكتب إلى القواد والهاشميين وغيرهم بعد أن حاز ضياعهم وغلاتهم يدعوهم إلى الأمان والدخول في خلع محمد والبيعة للمأمون فلحق به جماعة منهم عبد الله بن حميد بن قحطبة الطائي وإخوته ولد الحسن بن قحطبة ويحيى بن علي بن ماهان ومحمد بن أبي العاص وكاتبه قوم من القواد والهاشميين في السر وصارت قلوبهم وأهواؤهم معه قال ولما كانت وقعة قصر صالح أقبل محمد على اللهو والشرب ووكل الامر إلى محمد بن عيسى ابن نهيك وإلى الهرش فوضعا مما يليهما من الدروب والأبواب وكلاءهما بأبواب المدينة والأرباض وسوق الكرخ وفرض دجلة وباب المحول والكناسة فكان لصوصها وفساقها يسلبون من قدروا عليه من الرجال والنساء والضعفاء من الملة والذمة فكان منهم في ذلك ما لم يبلغنا أن مثله كان في شئ من سائر بلاد الحروب قال ولما طال ذلك بالناس وضاقت بغداد بأهلها وخرج عنها من كانت به قوة بعد الغرم الفادح والمضايقة الموجعة والخطر العظيم فأخذ طاهر أصحابه بخلاف ذلك واشتد فيه وغلظ على أهل الريب وأمر محمد بن أبي خالد بحفظ الضعفاء والنساء وتجويزهم وتسهيل أمرهم فكان الرجل والمرأة إذا تخلص من أيدي أصحاب الهرش وصار إلى أصحاب طاهر ذهب عنه الروع وأمن وأظهرت المرأة ما معها من ذهب وفضة أو متاع أو بز حتى قيل إن مثل أصحاب طاهر ومثل أصحاب الهرش وذويه ومثل الناس إذا تخلصوا مثل السور الذي قال الله تعالى ذكره (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فلما طال على الناس ما بلوا به ساءت حالهم وضاقوا به ذرعا وفى ذلك يقول بعض فتيان بغداد:
بكيت دما على بغداد لما * فقدت غضارة العيش الأنيق تبدلنا هموما من سرور * ومن سعة تبدلنا بضيق أصابتها من الحساد عين * فأفنت أهلها بالمنجيق فقوم أحرقوا بالنار قسرا * ونائحة تنوح على غريق