فقد رأينا ورأيتم أن محمدا قد بدأ بالظلم والبغي والغدر على أخويه عبد الله المأمون والقاسم المؤتمن وخلعهما وبايع لابنه الطفل رضيع صغير لم يفطم واستخرج الشرطين من الكعبة عاصيا فحرقهما بالنار وقد رأيت خلعه وان أبايع لعبد الله المأمون بالخلافة إذ كان مظلوما مبغيا عليه فقال له أهل مكة رأينا تبع لرأيك ونحن خالعوه معك فوعدهم صلاة الظهيرة وأرسل في فجاج مكة صائحا يصيح الصلاة جامعة فلما جاء وقت صلاة الظهر وذلك يوم الخميس لسبع وعشرين ليلة خلت من رجب سنة 196 خرج داود بن عيسى فصلى بالناس صلاة الظهر وقد وضع له المنبر بين الركن والمقام فصعد فجلس عليه وأمر بوجوه الناس وأشرافهم فقربوا من المنبر وكان داود خطيبا فصيحا جهر الصوت فلما اجتمع الناس قام خطيبا فقال الحمد لله مالك الملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شئ قدير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالدين وختم به النبيين وجعله رحمة للعالمين صلى الله عليه في الأولين والآخرين أما بعد يا أهل مكة فأنتم الأصل والفرع والعشيرة والأسرة والشركاء في النعمة إلى بلدكم نفذ وفد الله وإلى قبلتكم يأتم المسلمون وقد علمتم ما أخذ عليكم الرشيد هارون رحمة الله عليه وصلاته حين بايع لابنيه محمد وعبد الله بين أظهركم من العهد والميثاق لتنصرن المظلوم منهما على الظالم والمبغى عليه على الباغي والمغدور به على الغادر ألا وقد علمتم وعلمنا أن محمد بن هارون قد بدأ بالظلم والبغي والغدر وخالف الشروط التي أعطاها من نفسه في بطن البيت الحرام وقد حل لنا ولكم خلعه من الخلافة وتصييرها إلى المظلوم المبغى عليه المغدور به ألا وإني أشهدكم أنى قد خلعت محمد بن هارون من الخلافة كما خلعت قلنسوتي هذه من رأسي وخلع قلنسوته عن رأسه فرمى بها إلى بعض الخدم تحته وكانت من برود حبرة مسلسلة حمراء وأتى بقلنسوة سوداء هاشمية فلبسها ثم قال قد بايعت لعبد الله عبد الله المأمون أمير المؤمنين
(٤٥)