بالتواني والحروب لا تدبر بالاغترار والثقة أن تحترز ولا تقل المحارب لي طاهر فالشرارة الخفية ربما صارت ضراما والثلمة من السيل ربما اغتر بها وتهون فصارت بحرا عظيما وقد قربت عساكرنا من طاهر فلو كان رأيه الهرب لم يتأخر إلى يومه هذا قال اسكت فإن طاهرا ليس في هذا الموضع؟ ترى وإنما يتحفظ الرجال إذا لقيت أقرانها وتستعد إذا كان المناوي لها أكفاءها ونظراءها * وذكر عبد الله ابن مجالد قال أقبل علي بن عيسى حتى نزل من الري على عشرة فراسخ وبها طاهر قد سد أبوابها ووضع المسالح على طرقها واستعد لمحاربته فشاور طاهر أصحابه فأشاروا عليه أن يقيم بمدينة الري ويدافع القتال ما قدر عليه إلى أن يأتيه من خراسان المدد من الخيل وقائد يتولى الامر دونه وقالوا إن مقامك بمدينة الري أرفق بأصحابك وبك وأقدر لهم على الميرة وأكن من البرد وأحرى إن دهمك قتال أن يعتصموا بالبيوت ويقووا على المماطلة والمطاولة إلى أن يأتيك مدد أو ترد عليك قوة من خلفك فقال طاهر إن الرأي ليس ما رأيتم إن أهل الري لعلى هائبون ومن معرته وسطوته متقون ومعه من قد بلغكم من أعراب البوادي وصعاليك الجبال ولفيف القرى ولست آمن إن هجم علينا مدينة الري أن يدعو أهلها خوفه إلى الوثوب بنا ويعينوه على قتالنا مع أنه لم يكن قوم قط روعبوا في ديارهم ويورد عليهم عسكرهم إلا وهنوا وذلوا وذهب عزهم واجترأ عليهم عدوهم وما الرأي إلا أن نصير مدينة الري قفا ظهورنا فإن أعطانا الله الظفر وإلا عولنا عليها فقاتلنا في سككها وتحصنا في منعتها إلى أن يأتينا مدد أو قوة من خراسان قالوا الرأي ما رأيت فنادى طاهر في أصحابه فخرجوا فعسكروا على خمسة فراسخ من الري بقرية يقال لها كلواص وأتاه محمد بن العلاء فقال أيها الأمير إن جندك قد هابوا هذا الجيش وامتلأت قلوبهم خوفا ورعبا منه فلو أقمت بمكانك ودافعت القتال إلى أن يشامهم أصحابك ويأنسوا بهم ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم فقال لا إني لا أوتى من قلة تجربة وحزم أن أصحابي قليل والقوم عظيم سوادهم كثير عددهم فان دافعت القتال وأخرت المناجزة
(١٩)