وقد حملها معه فقال يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك قد جئتك بغالية ليس لأحد مثلها أما مسكها فمن سرر الكلاب التبتية العتيقة وأما عنبرها فمن عنبر بحر عدن وأما بأنها فمن فلان المدني المعروف بجودة عمله وأما مركبها فإنسان بالبصرة عالم بتأليفها حاذق بتركيبها فإن رأى أمير المؤمنين أن يمن على بقبولها فعل فقال الرشيد لخاقان الخادم وهو على رأسه يا خاقان أدخل هذه الغالية فأدخلها خاقان فإذا هي في برنية عظيمة من فضة وفيها ملعقة فكشف عنها وابن أبي مريم حاضر فقال يا أمير المؤمنين هبها لي قال خذها إليك فاغتاظ العباس وطار أسفا وقال ويلك عمدت إلى شئ منعته نفسي وآثرت به سيدي فأخذته فقال أمه فاعلة ان دهن بها لا أسته قال فضحك الرشيد ثم وثب ابن أبي مريم فألقى طرف قميصه على رأسه وأدخل يده في البرنية فجعل يخرج منها ما حملت يده فيضعه في استه مرة وفى أرفاغه ومغابنه أخرى ثم سود بها وجهه ورأسه وأطرافه حتى أتى على جميع جوارحه وقال لخاقان أدخل إلى غلامي فقال الرشيد وما يعقل مما هو فيه من الضحك ادع غلامه فدعاه فقال له اذهب بهذه الباقية إلى فلانة امرأته فقل لها ادهني بهذا حرك إلى أن أنصرف فأتيك فأخذها الغلام ومضى والرشيد يضحك قد ذهب به الضحك ثم أقبل على العباس فقال والله أنت شيخ أحمق تجئ إلى خليفة الله فتمدح عنده غالية أما تعلم أن كل شئ تمطر السماء وكل شئ تخرج الأرض له وكل شئ هو في الدنيا فملك يده وتحت خاتمه وفى قبضته وأعجب من هذا أنه قيل لملك الموت انظر كل شئ يقول لك هذا فأنفذه فمثل هذا يمدح عنده الغالية ويخطب في ذكرها كأنه بقال أو عطار أو تمار قال فضحك الرشيد حتى كاد ينقطع نفسه ووصل ابن أبي مريم في ذلك اليوم بمائة ألف درهم وذكر عن زيد بن علي بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال أراد الرشيد أن يشرب الدواء يوما فقال له ابن أبي مريم هل لك أن تجعلني حاجبك غدا عند أخذك الدواء وكل شئ أكسبه فهو بيني وبينك قال افعل فبعث إلى الحاجب الزم غدا منزلك فانى قد وليت ابن أبي مريم الحجابة وبكر بن أبي مريم فوضع له الكرسي وأخذ الرشيد دواءه وبلغ الخبر بطانته
(٥٣٢)