فلما فرغ من حفر القبر أنزل فيه قوما ما فقرؤا فيه القرآن حتى ختموا وهو في محفة على شفير القبر وذكر محمد بن زياد بن محمد بن حاتم بن عبيد الله بن أبي بكرة أن سهل بن مساعد حدثه قال كنت عند الرشيد في بيته الذي قبض فيه وهو يجود بنفسه فدعا بملحفة غليظة فاحتبى بها وجعل يقاسى ما يقاسى فنهضت فقال لي اقعد يا سهل فقعدت وطال جلوسي لا يكلمني ولا أكلمه والملحفة تنحل فيعيد الاحتباء بها فلما طال ذلك نهضت فقال لي إلى أين يا سهل قلت يا أمير المؤمنين ما يسع قلبي أن أرى أمير المؤمنين يعاني من العلة ما يعاني فلو اضطجعت يا أمير المؤمنين كان أروح لك قال فضحك ضحك صحيح ثم قال يا سهل انى أذكر في هذه الحال قول الشاعر وإني من قوم كرام يزيدهم * شماسا وصبرا شدة الحدثان وذكر عن مسرور الكبير قال لما حضرت الرشيد الوفاة وأحس بالموت أمرني أن أنشر الوشى فآتيه بأجود ثوب أقدر عليه وأغلاه قيمة فلم أجد ذلك في ثوب واحد ووجدت ثوبين أغلى شئ قيمة وجدته متقاربين في أثمانهما الا أن أحدهما أغلى من الآخر شيئا وأحدهما أحمر والآخر أخضر فجئته بهما فنظر إليهما وخبرته قيمتهما فقال اجعل أحسنهما كفني والآخر إلى موضعه وتوفى فيما ذكر في موضع يدعى المثقب في دار حميد بن أبي غاني نصف الليل ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة من هذه السنة وصلى عليه ابنه صالح وحضر وفاته الفضل بن الربيع وإسماعيل بن صبيح وعن خدمه مسرور وحسين ورشيد وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وثمانية وعشر يوما أولها ليلة الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة 170 وآخرها ليلة السبت لثلاث ليال خلون من جمادى الآخرة سنة 193 وقال هشام بن محمد استخلف أبو جعفر الرشيد هارون بن محمد ليلة الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة 170 وهو يومئذ ابن اثنتين وعشرين سنة وتوفى ليلة الأحد غرة جمادى الأولى وهو ابن خمس وأربعين سنة سنة 193 فملك ثلاثا وعشرين سنة وشهرا وستة عشر يوما وقيل كان سنه يوم توفى سبعا وأربعين سنة وخمسة أشهر
(٥٢٨)