نهار ولا ركوب ولا جلوس فدعا على بالغداء فطعما وأكل ممهما رجاء الخادم وكان عازما على أن لا يأكل معهما فغمزه هرثمة وقال كل فإنك جائع ولا أرى لجائع ولا حاقن فلما رفع الطعام قال له على قد أمرت أن يفرغ لك قصر على الماشان فان رأيت أن تصير إليه فعلت فقال له هرثمة إن معي من الأمور مالا تحمل تأخير المناظرة فيها ثم دفع رجاء الخادم كتاب الرشيد إلى علي وأبلغه رسالته فلما فض الكتاب فنظر إلى أول حرف منه سقط في يده وعلم أنه قد حل به ما يخافه ويتوقعه ثم أمر هرثمة بتقييده وتقييد ولده وكتابه وعماله وكان رحل ومعه وقر من قيود وأغلال فلما استوثق منه صار إلى المسجد الجامع فخطب وبسط من آمال الناس وأخبر أن أمير المؤمنين ولاه ثغورهم لما انتهى إليه من سوء سيرة الفاسق على ابن عيسى وما أمره به وفيه وفى عماله وأعوانه وأنه بالغ من ذلك ومن انصاف العامة والخاصة والاخذ لهم بحقوقهم أقصى مواضع الحق وأمر بقراءة عهده عليهم فأظهروا السرور بذلك وانفسحت آمالهم وعظم رجاؤهم وعلت بالتكبير والتهليل أصواتهم وكثر الدعاء لأمير المؤمنين بالبقاء وحسن الجزاء ثم انصرف فدعا بعلى ابن عيسى وولده وعماله وكتابه فقال اكفوني مؤنتكم واعفوني من الاقدام بالمكروه عليكم ونادى في أصحاب ودائهم ببراءة الذمة من رجل كانت لعلى عنده وديعة أو لاحد من ولده أو كتابه أو عماله وأخفاها ولم يظهر عليها فأحضره الناس ما كانوا أو دعوا الا رجلا من أهل مرو وكان من أبناء المجوس فإنه لم يزل يتلطف للوصول إلى علي بن عيسى حتى صار إليه فقال له سرا لك عندي مال فان احتجت إليه حملته إليك أولا فأولا وصبرت للقتل فيك ايثارا للوفاء وطلبا لجميل الثناء وان استغنيت عنه حبسته عليك حتى ترى فيه رأيك فعجب على منه وقال لو اصطنعت مثلك ألف رجل ما طمع في السلطان ولا الشيطان أبدا ثم سأله عن قيمة ما عنده فذكر له أنه أودعه مالا وثيابا ومسكا وأنه لا يدرى ما قدر ذلك غير أنه أو دعه بخطه وأنه محفوظ لم يشذ منه شئ فقال له دعه فان ظهر عليه سلمته ونجوت بنفسك وان سلمت به رأيت فيه رأيي وجزاه الخير وشكر له فعله ذلك
(٥١٧)