وبالجملة لا ريب في أنه ليس المنع في كلام الأصحاب هنا ملاحظة الربا وإلا لما صح إطلاقهم المنع الشامل لصورة المساواة وزيادة اللحم على الحيوان وبالعكس، ولا اتجه لهم المنع حتى في بيع الحيوان بالحيوان الذي من الواضح فساد القول به، وكان منشاء الوهم ذكرهم هذه المسألة في باب الربا، وزاده إيهاما تقييد غير واحد من الأصحاب المنع بما إذا كان من الجنس (و) أنه (يجوز) البيع (بغير جنسه كلحم البقر بالشاة) بل هو المشهور بين المتأخرين بل في الغنية، والتنقيح الاجماع عليه، بل قيل إن إجماع الخلاف منطبق عليه أيضا، وكأنهم فهموا من إطلاق المقنعة والنهاية والمراسم والقاضي على ما حكي عن بعضهم عدم جواز بيع الغنم باللحم وإرادة اللحم من الغنم، بل لعلهم فهموا ذلك أيضا من خبر غياث (1).
نعم قيده المصنف بقوله (لكن بشرط أن يكون اللحم حاضرا) ولعله لعدم جواز بيع اللحم نسيئة، كما نص عليه ابن إدريس في المحكي عنه هنا، قال كما في المختلف:
" يجوز ذلك أي بيع اللحم بالحيوان إذا كان موزونا سواء اتفق الجنس أو لا يدا بيد، وسلفا أيضا إن كان اللحم معجلا دون العكس إذ لا يجوز السلف في اللحم، ويجوز في الحيوان، ويأتي تمام الكلام في السلم إنشاء الله تعالى.
وكيف كان فذلك كما ترى لا دلالة فيه على أن المنع فيه للربا، إذ ليس في النهاية إلا " لا يجوز بيع الغنم باللحم لا جزافا ولا وزنا " ومثلها المقنعة بزيادة لأنه مجهول، ونحو هما غيرهما في عدم الإشارة إلى كون المنع للربا، فلا ريب في بطلان الاستدلال به لهم، بل منه يعلم فساد ما ذكره ابن إدريس حيث احتج على مطلوبه بأن المقتضي للجواز - وهو قوله تعالى (2) " أحل الله البيع "، - موجود، والمانع وهو الربا منفي إذ الربا إنما يثبت في الموزون، والحيوان الحي ليس بموزون، إذ فيه ما عرفت من عدم كون المانع الربا، وأجاب