فيه من تلك الإرادة، كباقي المعاني التي تحصل للانسان من الفرح والهم والغم والجوع والشبع ونحوها، فإن حصولها، شئ، والعلم بحصولها شئ آخر، ومن الواضح عدم توقف حصولها على تصوره والالتفات إليه والعلم به، فحينئذ حصول القصد إلى الفعل غير محتاج إلى الاستحضار المزبور والأخطار، إذ لا يكاد يخفى على ذي مسكة وقوع الأفعال من الفاعلين على وجه يعدون به من المختارين غير الغافلين والساهين من دون تصور القصد المتعلق بها وبلا التفات للنفس إلى ذلك، والعلم بوجود المكلف به واقعا أو شرعا أمر آخر لا مدخلية له فيما نحن فيه، إذ يكفي فيه حصوله ولو بعد الفراغ من الفعل فضلا عن حال النية، على أن ما ذكروه من الاخطار لو كان منشأه ذلك لوجب في سائر أفعال الصلاة، ضرورة توقف الجميع على حصول العلم بالمكلف به، على أن حصول القصد المقارن للفعل ضروري للنفس غير محتاج إلى التفاتها إليه، فهو كالوجع غير محتاج العلم به إلى الأخطار المزبور.
والذي أظنه أن الأصحاب أجل من أن يخفى عليهم ذلك، وقد صرحوا بأن النية أمر بسيط هو القصد إلى الفعل المعين، إلا أنهم لما أرادوا تصوير ذلك باللفظ لافهام المكلفين ولم يكن ثم لفظ موضوع الدلالة مطابقة على نفس القصد المزبور احتاجوا في بيانه إلى لفظ (أصلي) ونحوه مما معناه (أقصد) الذي هو زائد على نفس حصول القصد، إذ هو كقولك: (أطلب الضرب) الذي يدل بالالتزام على النسبة الناقصة التي هي حصول الطلب في النفس، ولعلهم يريدون من لفظ (أقصد) المعنى الانشائي الذي عين تعلق القصد بالمقصود، فلا يكون زائدا على ما ذكرناه من الداعي، وقولهم:
(إخطار) و (استحضار) ونحوهما يراد به حيث يكون المكلف خاليا من التصور السابق التي تكون الإرادة منبعثة عنه وكان الخطور موقوفا عليهما، أو نفس خطور القصد المزبور بحيث لا يكون غافلا ولا ساهيا ولا موجدا للفعل بإرادة أخرى منبعثة