لأهل القول المزبور تقييد الاطلاق الأول به، لكنه قد يخرج مؤيدا أيضا في الجملة، وزاد في الخلاف بأنه لو كلف التوجه إلى عين الكعبة لوجب إذا كان في صف طويل خلف الإمام أن يكون صلاتهم أو صلاة أكثرهم إلى غير القبلة، أو يلزمهم أن يصلوا حول الإمام دورا كما يصلي في جوف الكعبة، وكل ذلك باطل بالاجماع، وليس لهم أن يقولوا إنما كلف الجهة هربا من ذلك، لأن جهات القبلة غير منحصرة، بل جهة كل واحد من المصلين غير جهة صاحبه، ولا يمكن أن يكون الكعبة في الجهات كلها، فالسؤال لازم لهم، ولا يلزمنا مثل ذلك، لأن الفرض التوجه إلى الحرم، والحرم طويل يمكن أن يكون كل واحد من الجماعة متوجها إلى جزء منه.
إلا أن الأقوى مع ذلك كله كون القبلة الكعبة خاصة عينا للمتمكن من ذلك ولو بواسطة ما لا يشق تحمله من المقدمات كالصعود إلى مرتفع ونحوه، وجهة لغيره، وفاقا لأكثر المتأخرين أو عامتهم، إذ المصنف وإن خالف هنا لكنه وافق في النافع، وللمحكي عن الكاتب والسيد في المصباح والجمل والحلي من غيرهم، بل ربما نسب إلى الأكثر أو المشهور من غير تقييد للنصوص المستفيضة (1) ومنها الصحيح وغيره الدالة على أن القبلة الكعبة بأنواع الدلالة حتى أن في المروي (2) عن قرب الإسناد منها عن الصادق (عليه السلام) كمال التصريح بذلك، قال: (إن لله عز وجل حرمات ثلاث ليس مثلهن شئ: كتابه، وهو حكمة ونور، وبيته الذي جعله قياما للناس وأمنا لا يقبل من أحد توجها إلى غيره وعترة نبيكم (عليه السلام) والذي حضرني الآن منها خمسة عشر خبرا فلا بأس بدعوى تواترها، بل قد عرفت أن ذلك من الضروريات الذي تلقن بها الأموات وتكرره الاحياء في كل يوم، بل يعرفه الخارج عن الاسلام كاليهود والنصارى من أهله فضلا عنهم، ولا ينافي ذلك عدم التصريح في كثير من النصوص المزبورة