ولعله لذا استدل في المعتبر عليه باجماع العلماء، وفي التذكرة (الكعبة القبلة مع المشاهدة اجماعا) وعن النهاية (اجماعنا على ذلك) وفي المحكي من شرح الشيخ نجيب الدين (القبلة عين الكعبة المشرفة لمن أمكنه علمها بالاجماع كأهل مكة) وفي كنز العرفان (الاجماع عليه أيضا) وقد سمعت نفي الخلاف عنه في الغنية، بل في الرياض أنه قد يفهم أيضا من الذكرى وجملة ممن تبعه حيث اكتفوا في احتمال لفظية النزاع باحتمال أن ذكر المسجد والحرم إشارة إلى الجهة مشعرين بانحصار ثمرة النزاع في الثانية، وإلا لم يكتف في لفظيته بالاحتمال المزبور، لما عرفت من اقتضاء ظاهر عبارة الخصم كالنصوص الثمرة الأولى أيضا، فلا يرتفع الخلاف بذلك إلا بعد فرض وفاقهم على عدم جواز استقبال غير الكعبة للمشاهد ومن بحكمه.
ومن ذلك يعرف اندفاع الثانية أيضا، ضرورة احتمال إرادة الجهة من المسجد والحرم، وأنهم إنما ذكروا ذلك على سبيل التقريب إلى الأفهام، اظهارا لسعة الجهة حتى المصنف منهم، لما تسمعه منه فيما يأتي (وأهل كل إقليم) إلى آخره. ضرورة عدم انطباقه إلا على الجهة، نعم قد يأبى ذلك خصوص عبارة الخلاف السابقة وما شابهها التي يرد عليها مثل ما أورده على جهة الكعبة حرفا بحرف فيما لو استطال الصف لمتحدي العلامة من إقليم بحيث يقطع بزيادته عن الحرم، فإنه لا استقبال حينئذ لجزء منه، إذ من المعلوم سعة سمتهم على مساحة الحرم، وكذا لو استطال في الحرم بحيث خرج عن مساحة المسجد، ودعوى منع ذلك لكروية الأرض أو غير ذلك مما يعارض الوجدان غير مسموعة، على أنها قد تقابل أيضا بما في الذكرى من أن الجرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدا ازدادوا له محاذاة، وإن كان الظاهر أن ذلك لا يقتضي استقبال العين، إذ لو أخرجت خطوط متوازية من مواقف البعيد المتباعدة المتفقة الجهة على وجه يزيد على جرم الكعبة لم تتصل الخطوط أجمع بالكعبة، وإلا لخرجت عن كونها متوازية،