من الأصحاب حصول العلم بالجهة من سائر الأمارات الرياضية التي هي عندهم تدل على العين، وأنه لا يخلو من نظر، لا لأن الوضع المراد غير متيسر باعتبار البعد، ضرورة إرادة الظاهر للحس منه لا النصب الحقيقي المتعذر، وإلا لم يكن علامة، بل لأن دلالتها على الجهة عندنا منحصرة فيما لا يفيد إلا الظن، والاجماع على العمل بوضع الجدي مثلا المستفاد بمقايسته باقي العلامات لا يفيد القطع بالجهة، ضرورة عدم التلازم بينهما، ومن هنا قال في القواعد: (يجب الاستقبال مع العلم بجهة القبلة، فإن جهلها عول على ما وضعه الشرع أمارة والقادر على العلم لا يكفيه الاجتهاد المفيد للظن) وهو كالصريح في استفادة الظن بذلك، وكذا كشف اللثام وغيره، نعم هي كالعلم شرعا في وجوب العمل، بل لا يبعد في النظر عدم وجوب تقديم العلم حسا عليها، لاطلاق دليل العمل بها، وظهور اتفاق الأصحاب على إرادتها من العلم المأمور به للقبلة والعلم القطعي بعدم الحرج على من كان في زمن التمكن من استعلام المعصوم (عليه السلام) في العمل بهذه العلامات، ولغير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل.
ومن هنا يقوى الظن بإرادة المصنف من قوله: (فإن جهلها عول على الأمارات المفيدة للظن) غير الأمارات الشرعية التي قد عرفت عدم تقييد العمل بها على الظاهر بعدم العلم القطعي بالجهة، بدليل عدم ذكره الاجتهاد بعد ذلك، فيعلم منه حينئذ إرادته من هذه العبارة، ولا ريب في توقف اعتباره على انتفاء العلامات الشرعية، وأن استعمالها ليس من الاجتهاد في شئ، إذ هو في الغالب لتحصيل الجهة التي كانت تستفاد منها، وإطلاق الاجتهاد على الحاصل منها في بعض العبارات لضرب من التجوز، ومن هنا عمم العلم للحسي والشرعي في كشف اللثام في شرح قول الفاضل السابق: (والقادر على العلم لا يكفيه الاجتهاد المفيد للظن) لكن ظاهره أو صريحه في شرح ما قبل ذلك اشتراط جواز العمل بها بعدم التمكن من العلم الحسي الحاصل من إخبار معصوم