الأول: ان المتقرر في محله - كما سيجئ في مبحث التجري - ان الإرادة لا يمتنع ان تكون بالاختيار، وانما الذي يمتنع هو تقوم الإرادة بالإرادة والاختيار، فإنه مما يستلزم التسلسل. وبعبارة أخرى: انه لا يجب ان تكون الإرادة بالإرادة للزوم التسلسل، لا انه لا يمكن ان تنشأ الإرادة عن إرادة غيرها، فإنه لا محذور فيه، بل وقوعه يشهد له الوجدان، كما يتضح بملاحظة بعض الأمثلة العرفية. وعليه فلا يمتنع تعلق التكليف بالإرادة لأنها يمكن ان تكون اختيارية قابلة للبعث.
الثاني: انه لو تنزلنا وسلمنا امتناع اختيارية الإرادة مطلقا وامتناع تعلق البعث بها لاجل ذلك، فهو لا يرتبط بما نحن فيه من فرض تعلق الوجوب الغيري بها، لان الوجوب الغيري الذي يفرض ثبوته وتعلقه بالمقدمة ليس حكما مجعولا متكفلا للبعث على حد سائر الوجوبات، وانما عبارة عن شوق نفساني يتعلق بالمقدمة بتبع تعلق الشوق بذيها، فحقيقة الوجوب الغيري ليست الا شوقا مترشحا عن الشوق النفسي المتعلق بذي المقدمة. ومن الواضح ان متعلق الشوق لا يعتبر فيه أن يكون اختياريا، فكثيرا ما يتعلق الشوق بامر غير اختياري، ولا وجه لاعتبار كونه اختياريا كما لا يخفى.
فعليه، لا مانع من تعلق الوجوب الغيري بالإرادة، اما لاجل كونها اختيارية، أو لاجل عدم اعتبار الاختيار في متعلق الوجوب الغيري.
واما الوجه الثالث: - ويتبعه الوجه الرابع، لأنهما بملاك واحد، ولذا تخيل وحدتهما وكونهما وجها واحدا لا وجهين - فيمكن دفعه: بان سقوط الامر الغيري بالمقدمة عند الاتيان بها لا يكشف عن تعلق الامر الغيري بذاتها، فإنه يمكن أن يكون من قبيل سقوط الامر بالجزء عند الاتيان به، مع أنه لا يقطع بفراغ الذمة الا عند الاتيان بجميع اجزاء المركب الارتباطي، فمع عدم الاتيان بها تبقى الذمة مشغولة. فالاتيان بالجزء مسقط لامره - إذ لا يجب الاتيان به فعلا