التوصل ولزوم الاتيان بالمقدمة عبادة بقصد امتثال الامر الغيري، لو لم يقصد التوصل بالمقدمة لم تقع على وجه العبادية، إذ يمتنع قصد امتثال الامر الغيري مع عدم قصد التوصل لكونه قيدا للمتعلق، فقصد التوصل دخيل في تحقق العبادية لان امتثال الامر يتوقف على الاتيان بمتعلقه وهو لا يكون الا بقصد التوصل.
وقد فرع على ذلك عدم صحة الصلاة إلى جهة واحدة فقط - في فرض لزوم الصلاة إلى الجهات الأربع -، إذ لا يقصد بها التوصل إلى الواجب وهو الصلاة إلى الجهات الأربع.
وأنت خبير بان هذه الثمرة لا تترتب على المسلك الذي اخترناه، وهو كون عبادية المقدمات بتعلق الامر النفسي بها وقصد امتثاله، كما ذهب إليه صاحب الكفاية، لان الامر النفسي لم يؤخذ في متعلقه قصد التوصل، فيمكن قصد امتثال الامر وتحقق العبادية بنفس العمل من دون قصد التوصل.
واما ما ذكره من التفريع فعجيب لوجهين:
الأول: ان الكلام فيما نحن فيه في مقدمة الوجود، والصلاة إلى كل جهة مقدمة للعلم، وهي ليست واجبة من باب الوجوب الغيري المقدمي، بل من جهة حكم العقل من باب دفع الضرر المحتمل كما أشرنا إليه في أوائل المبحث، فالمثال أجبني عما نحن فيه بالمرة.
الثاني: انه لو سلمنا كونها من باب مقدمة الوجود، فعباديتها لا تنحصر في قصد امتثال أمرها الغيري كي يتوقف على قصد التوصل، لأنها عبادة في نفسها. وما يدعى من لزوم قصد الامر الغيري انما هو في ما لم تكن المقدمة بنفسها عبادية لا في مطلق المقدمات العبادية، فإنه من الواضح انه لا يعتبر في عبادية صلاة الظهر قصد التوصل بها إلى صلاة العصر، فإنها تصح ولو بني على عدم الاتيان بصلاة العصر مع أنها مقدمة لصلاة العصر.