أما في الدماء فلظهور ما دل على أن الاسلام يحقن به الدم من النصوص (1) في أن الحكم الإلزامي هو المنوط بالعنوان الوجودي، وهو الاسلام، وحينئذ فمقتضى استصحاب عدم الاسلام جواز الاهراق على ما يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
وأما هدر الدم في موارد الحدود ونحوها فهو غالبا ليس حكما ترخيصيا، بل إلزامي، لرجوعه غالبا إلى وجوب إهراقه، فهو خارج عما نحن فيه.
مع أنه غالبا مجرى للأصل الموضوعي المقتضي لحرمة الاهراق، فلا موضوع معه للأصل الذي أصله.
وأما الأموال فلا إشكال في أن مقتضى الأصل عدم حلها وضعا الذي هو بمعنى تملكها وترتيب آثار الملك عليها، لان التملك وآثاره حوادث مسبوقة بالعدم، فينفيها الاستصحاب في غير مورد اليقين، ولا حاجة فيها للأصل الذي أصله.
وأما إباحة التصرف الخارجي في مقابل المنع التكليفي فلم يتضح من الأدلة إناطتها بعنوان وجودي، كالحيازة والاذن من المالك.
وأما الحديث الذي أشار إليه فهو خبر محمد بن زيد الطبري: (كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الاذن في الخمس، فكتب إليه: (بسم الله الرحمن الرحيم، إن الله واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، وعلى الضيق الهم، لا يحل مال إلا من وجه أحله الله، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيانا، وعلى أموالنا، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا...) (2).
وهو ظاهر في التحليل الوضعي المسؤول عنه، الذي عرفت أنه خلاف الأصل، لا حل التصرف الخارجي في مقابل تحريمه تكليفا.