إرادتنا قد تتخلف عن المراد، كما يأتي (1)، دون إرادته تعالى.
فما ورد: من " أن إرادته فعله " (2) في مقام نفي المراد الآخر وراء نفس تلك الإرادة، ولا يكون في مقام أن الذات الأحدية الجمعية، خالية عن الإرادة الذاتية، حتى يلزم إما دعوى كفاية العلم، أو دعوى إجباره تعالى في خلق الأشياء، وكل ذلك سيئة عليه تقدس وتعالى، يغفرها لمن يشاء، والله الهادي إلى الصواب.
ثم إنه إذا راجعنا وجداننا، نجد أن العلم ومقولته، من الأوصاف الثابتة الحاصلة من الحواس الظاهرة بالعلية، أو الإعداد، على اختلاف المسالك في المسألة (3).
وأما الإرادة، فهي من الأوصاف التي إذا تحققت إما تنتهي إلى المراد، بالتحرك نحوه، أو التحريك بالبعث والزجر، أو لا تنتهي إليه، لإمكان التخلف الثبوتي. ولكن لا يمكن حصول هذا الوصف في النفس مع عدم الجزم بتحققه إثباتا، أي لا يعقل حصول الإرادة إلا بعد العلم بأن طرفه - وهو المراد - يوجد ويتحقق، وهذا المعنى غير موجود في العلم بالضرورة.
فهي من مقولة أخرى، وقد مرت مقولتها (4)، فلا تخلط، فافهم واغتنم، فإنه سيأتي بعض المباحث التي تنفعك في البيان المزبور (5)، وبها تنحل المعضلة المشهورة التي جعلت الأفهام حيارى، والأفكار صرعى، وقد هرب القوم منها إلى كل مهرب، ولكن مع الأسف أرعدوا وأبرقوا ولم يأتوا بشئ صالح، والأمر إليك فتأمل.