ومنها: أن العلم والقدرة كافيان في تحقق الفعل، والأخيرة تنوب عن الإرادة، لأنها محققتها وما تؤدي إلى الفعل أو الترك، فلا حاجة إلى ثالث وراءهما.
وأنت خبير: بأن القدرة فسرت ب " مشية الفعل أو الترك " (1) فلا بد من المشية.
هذا مع أنه لو كان تفسيرها: أنها القوة على الفعل أو الترك، فيكون المقدور بالنسبة إليها بالإمكان، مع أن الشئ ما لم يجب لم يوجد، فالذي هو الشئ بالنسبة إليه واجب، هي الإرادة التي تتعلق بعد الترجيح، فيصير جميع الأعدام الممكنة الطارئة عليه مسدودة من قبل علته، إلا العدم الممكن عليه من قبل عدم علته، ويصير واجبا فيوجد.
وقد يتوهم عدم تمامية هذه القاعدة، لأن الإرادة قد تتحقق ولا يوجد الشئ، كما يأتي تحقيقه (2).
وفيه: أنه يكشف به عدم وجوبه، لأن من شرائط تأثير الإرادة فينا، وجود القوة المنبثة في العضلات الممكنة للقبض والبسط بالإمكان الاستعدادي.
وهذا التوهم كتوهم: أن هذه القاعدة تستلزم الجبر (3)، وقد عرفت: أن الإرادة مسبوقة بالاختيار والإرادة الذاتية، فلا شئ خارجا عن الاختيار، فإن اختيارية أحد المبادئ - ولا سيما مثل الإرادة - كافية في عدم الانتهاء إلى الجبر، فتدبر.
فتحصل إلى الآن: أن حقيقة الإرادة أمر وراء العلم بالصلاح، ووراء الشوق والاشتياق.