فالإرادة فعل اختياري، والشوق ميل طبيعي، ضرورة أنه كثيرا ما يتفق الشوق الأكيد إلى شئ، ولكنه لا يورث وجود الشئ في الخارج، لما لا يجد في ذلك بعض المصالح العقلائية، وربما لا شوق له أو له الشوق القصير، ويريد المشتاق إليه، لما فيه بعض المنافع العقلائية.
وأما جعل الكراهة مقابلها كما في الكتب العقلية (1) أيضا، فهو من الخلط بين الإرادة التي هي مقصودنا هنا، وبين مطلق الميل والاشتياق.
ومن العجيب توهم: أن الكراهة مبدأ النهي!! (2) فإن النهي والأمر متفقان في الحاجة إلى تعلق الإرادة بإيجادهما الاعتباري، فما ترى في كتب الأصوليين اغترارا بظواهر صدرت من أرباب الحكمة، خال من التحصيل.
كما أن توهم: أنها من مقولة الفعل والانفعال، غفلة عن حقيقة تلك المقولة، وهو أنهما من أوصاف الجواهر ولواحقها، وأما نفس الحرارة في تأثير النار وتأثر الماء، فهي - كالإرادة هنا - خارجة عن المقولتين، فلا تخلط. مع أنا أنكرنا هاتين المقولتين وبعضها الاخر في " القواعد الحكمية " (3).
فما هو حدها وماهيتها: أنها ليست من مقولة، لكونها من المضاف الإشراقي، ضرورة أن تحقق المراد بالإرادة، وما كان شأنه ذلك يعد من الوجود وإشراقه، ولا ينسلك في عداد الماهيات.
نعم، بما أن المراد كان موجودا بالتصور قبل الإرادة، ثم تعلق به الإرادة، يعتبر تحققه قبلها، فينسلك في الإضافة المقولية التي توجدها النفس، فتكون ربطا بينها وبين المراد، فهي نفس المقولة الحقيقية، والطرفان يعدان من المضاف المشهوري، كما لا يخفى على أهله.