ولا سيما بعد ذهاب هؤلاء إلى ذلك في حقه تعالى وتقدس (1)، والتفصيل يطلب من مقام آخر.
ثم اعلم: أنه لا ضير في الالتزام بعدم وجود صفة بعنوان " الإرادة " كما لا يدل على ذلك كتب اللغة، فإن المتبادر منها - حسب المراجعة إليها، وإلى مواقف الاستعمال في الكتاب والسنة - ليس إلا معنى يرادف الاشتهاء والميل، أو المعنى المظهر كالطلب.
فإذن إذا التزمنا بأن ما هو الجزء الأخير، هو الإدراك المتعقب بالإدراك - فإن التصور والتصديق بالفائدة والصلاح الإجماليين، غير كافيين بالضرورة، كما يظهر بالوجدان - فبعد ذلك نحتاج إلى إدراك الصلاح المطلق، وإدراك لزوم وجوده، فإنه عند ذلك يتحرك العضلات نحوه، وتحصل الحركة عقيبه.
وهذا النحو من الإدراك قد يحصل بالاختيار، بأن يتصدى الانسان للتأمل والفكر في أطراف ما تصوره، وصدق بثمرته مثلا إجمالا، من دون تصديق بفائدته الفورية، ولزوم وجوده فورا.
وقد لا يحصل بالاختيار، لإمكان إدراك النفس ذلك بلا حاجة إلى التأمل، فلا يمكن نفي الثالث، ودعوى كفاية العلم بالصلاح (2) بنحو الاجمال في ذلك.
اللهم إلا أن يقال: في ذلك ضرر لا يمكن التخلص منه، وهو أن الإرادة اختيارية، والنفس في إيجادها مختارة باختيارها الذاتي، ولو كان الجزء الأخير هو الإدراك، فيلزم خروج الفعل أحيانا عن الاختيار، ففي هذا أيضا شهادة قطعية على أن الصفة الأخيرة التي تحصل في النفس هي الإرادة، لما نجد - وجدانا - لزوم ذلك، وأن إدراك لزوم الوجود غير كاف، فافهم وتدبر.