اللحوم قبل التذكية، مبغوضا ومحرما شرعا، فإن كان الشرع يلاحظ مبغوضه الواقعي، فيلزم عند العقلاء جعل الاحتياط في الجملة، حتى لا يتخلفوا عن مرامه ومطلوبه ومبغوضه حتى الإمكان، إلا إذا كان يؤدي إلى خلاف التسهيل، أو المشقة غير المتحملة عادة.
ولكن بعد ما نجد التوسعة في الطرق والأمارات، وأنه رخص في العمل بما يعمل به العرف والعقلاء، فلا بد أن يعلم منه عرفا وعقلا أنه لا شئ مبغوض عنده عند التخلف عن الواقع، من غير النظر إلى حال كشف الخلاف، فإذا عقد ثم تبين بطلانه، أو ذكى ثم تبين أن الآلة كانت من غير الحديد، ومع ذلك كانت الشريعة ترخص في التبعية لهذه الأمارات المتخلفة أحيانا أو كثيرا، فيعلم سقوط الشرطية والقيدية. بل مع ملاحظة حرمة التبذير والإسراف في الأموال، يعلم رفع اليد عن شرطية الحديد في محللية التذكية فافهم واغتنم.
لا يقال: قد اشتهر الاجماع في الأعصار المتأخرة على بطلان التصويب (1)، وهذا من التصويب.
لأنا نقول: قد مضى شطر من البحث حول هذه الشبهة، وعرفت أن رفع اليد عن الإيجاب غير التصويب (2)، فإن من يقول بالتصويب، يقول بعدم الإرادة الواقعية والشوق للمولى بالنسبة إلى الأحكام الواقعية، بل الحكم الواقعي مؤدى الأمارات، وأما نحن فنقول: إن محبوب المولى هو الإتيان بالسورة، وهو مطلوبه، ولكن ليس كل مطلوب يجب مراعاته على العالم به، إلا بعد الإيجاب والإنشاء والإبراز، فإذا لاحظ المولى ملاكات اخر فيرفع اليد عن التحميل، وهذا هو معنى رفع اليد عن الواقع، ولا يلزم منه عدم بقاء حبه وشوقه إليه، فلاحظ نفسك في أمورك تعرف ربك