الداعي إلى الطبيعة، يدعو إليها في جميع الوقت، فلا يستفاد من الجمع بين هذه الأدلة إلا أنه إذا صادف دليل الأمارة الواقع فهو، وإلا فقد رفع المولى يده - لمصالح - عن واقعه ومطلوبه، وحينئذ يكون الناقص والمأتي به الفاقد للشرط والجزء والواجد للمانع، مسقطا لأمره المتعلق بالطبيعة.
إن قلت: لا دليل على حجية الأمارات والطرق، إلا إمضاء الشرع والسكوت وعدم الردع، وعند ذلك يتعين الأخذ بإطلاق الأحكام الواقعية وانحفاظها حتى يخرج وقتها، ولا يتمكن العبد من امتثالها، وعلى هذا يلزم التفصيل بين الأمارات الإمضائية، وبين الأمارات التأسيسية، كالاستصحاب مثلا، وفتوى الفقيه، وغيرهما مما قام الدليل الشرعي على حجيته على نعت حجية الأمارات.
قلت أولا: قد تواترت النصوص على حجية خبر الثقات والعدول، ومن شاء فليرجع إلى مقدمات كتاب " جامع الأحاديث " للأستاذ البروجردي (قدس سره) (1).
وثانيا: العقلاء يستكشفون من السكوت رضا الشرع بالطرق، فلا بد وأن يتوجهوا إلى المناقضة بين الواقعيات، وهذا الرضا والطيب، فينتقلوا منه إلى صورة التخلف عن الواقع، ومنه إلى سكوت الشرع حذاء ذلك، فإنه يعلم من ذلك عدم الفرق بين الصورتين: صورة عدم انكشاف الخلاف، وصورة كشف الخلاف، فليتأمل جيدا.
وإن شئت قلت: إنا إذا راجعنا دليل الصلاة ووجوبها من أول الوقت إلى آخره، ودليل عدم وجوب السورة مثلا فيها، ودليل جواز العمل بخبر الثقة، لا نجد إلا أن الشرع أراد من إيجاب العمل بقوله، وترخيص التبعية له، التسهيل على العباد، ولا يكون للتسهيل معنى محصل إلا جواز ترتيب آثار الواقع على الصلاة بدون السورة، وإلا يلزم وجوب الإعادة، وهو خلاف المنة المرعية في ذلك.