وكذلك نجد أن الإمام الصادق عليه السلام كان يدفع أصحابه وتلامذته إلى التدوين وكتابة الحديث خوفا عليه من الضياع والاضطراب.
وهذه ظاهرة أولى على ملامح هذا العصر.
والظاهرة الثانية ماجد في حياة المسلمين من شؤون وأحداث وحاجات مما لم يكن لهم به عهد من قبل، ومما لم يجدوا له نصا في الكتاب والسنة. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أوكل أمر بيان وتبليغ أحكام الله تعالى في هذه المسائل إلى أهل بيته من بعده في حديث " الثقلين " المعروف. ولما كانت السلطة تحظر الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام من أمثال هذه المسائل كان الفقهاء يضطرون إلى اتخاذ القياس والاستحسان، والأخذ بالظن والرأي أداة لتبيين الحكم الشرعي.
يقول الدكتور محمد يوسف موسى: بعد أن لحق الرسول الله صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى، وحدث من الوقائع والأحداث ما لم تشتمل نصوص القرآن والسنة على أحكامه كان لا بد من الوصول إلى هذه الأحكام بطريق آخر، فكان من ذلك هذان الأصلان: (الاجماع، والقياس) (1).
وقد وقف الإمام الصادق عليه السلام حين رأى شيوع الأخذ بالقياس والرأي موقف المعارض منهما، ودعا أصحابه إلى عدم الأخذ بهما، وعارض المذاهب الفقهية التي كانت تأخذ بالقياس أشد المعارضة.
قال أبان بن تغلب: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: عشرة من الإبل. قلت: قطع اثنين؟
قال: عشرون. قلت: قطع ثلاثا؟ قال: ثلاثون. قلت: قطع أربعا؟ قال:
عشرون. قلت: سبحان الله يقطع ثلاثا فيكن عليه ثلاثون، فيقطع أربعا فيكون عليه عشرون!! إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله، ونقول: