وقد أساء كثير من الناس فهم التقية وتحاملوا على الشيعة بسببها، ولو عرفوا منطلقات التقية وحدودها من مصادرها الصحيحة لم يجدوا بدا منها في هذه الفترة الدقيقة والصعبة من تاريخ الاسلام.
وظاهرة رابعة في هذا الدور من ملامح المدرسة: تعيين موازين ومقاييس خاصة للاجتهاد والاستنباط من قبل أئمة أهل البيت عليهم السلام.
فقد كان الرواة ينتقلون إلى مناطق بعيدة، وتمس بهم الحاجة إلى معرفة أحكام الله، ولا يجدون وسيلة للسؤال عن الإمام عليه السلام، ولا يجدون نصا في المورد، فوضع لهم أئمة أهل البيت عليهم السلام أصولا وقواعد خاصة للاستنباط والاجتهاد يستعرضها الفقهاء بتفصيل كالاستصحاب والبراءة والاحتياط والتخيير، وجملة من القواعد الفقهية كقاعدة الطهارة واليد والإباحة والحلية، وما شاكل ذلك مما يعين الفقيه على الاجتهاد والاستنباط.
وقد أسهب الفقهاء والأصوليون في شرح هذه القواعد والأصول بصورة وافية في كتب الفقه والأصول.
ورغم ما تقدم فلم يكن هناك اجتهاد بالمعنى الذي نعرفه اليوم وإنما كان الناس يطلبون إلى الإمام أن يعين لهم مرجعا فيما يعرضهم من المسائل الشرعية، فيعين لهم بعض أصحابه ممن يطمئن إليهم، وممن سمع إلى حديثه ووعاه، ولم تمس الحاجة إلى الاجتهاد أكثر من هذه الحدود بسبب معاصرة الإمام المعصوم وإمكان الاتصال به ولو في موسم الحج من كل سنة. فلم يتجاوز أصحاب الأئمة - عدا موارد قليلة ونادرة - نقل الحديث.
والمجاميع الحديثية في غالب الأحوال لم تكن تجمع أبواب الفقه عامة، أو تجمع كلما صح عن الإمام في هذا الباب أو في هذه المسألة.
وربما يجوز لنا أن نقول: إن شيئا من المجاميع الحديثية التي دونت في هذا العصر لم يكن على هذا الغرار من استيعاب أبواب الفقه، وما صح عن الإمام في كل باب، فكانت الكتب والمدونات والأصول أشبه بمجموعات شخصية