قوله " ولقد علمنا المستقدمين منكم " في الصفوف في الصلاة " والمستأخرين " فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ليس فيه لابن عباس ذكر وقد قال الترمذي هذا أشبه من رواية نوح بن قيس والله أعلم وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر عن أبيه أنه سمع عون بن عبد الله يذكر محمد بن كعب في قوله " ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين " أنها في صفوف الصلاة فقال محمد بن عبد الله يذكر محمد بن كعب في قوله " ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين " أنها في صفوف الصلاة فقال محمد بن كعب ليس هكذا " ولقد علمنا المستقدمين منكم " الميت والمقتول " والمستأخرين " من يخلق بعد " وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم " فقال عون بن عبد الله وفقك الله وجزاك خيرا.
ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمإ مسنون (26) والجان خلقناه من قبل من نار السموم (27) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: المراد بالصلصال ههنا التراب اليابس والظاهر أنه كقوله تعالى " خلق الانسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار " وعن مجاهد أيضا " الصلصال " المنتن وتفسير الآية بالآية أولى وقوله " من حمأ مسنون " أي الصلصال من حمأ وهو الطين والمسنون الأملس كما قال الشاعر:
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء * - تمشي في مرمر مسنون أي أملس صقيل ولهذا روى عن ابن عباس أنه قال هو التراب الرطب وعن ابن عباس ومجاهد أيضا والضحاك إن الحمأ المسنون هو المنتن وقيل المراد بالمسنون ههنا المصبوب، وقوله " والجان خلقناه من قبل " أي من قبل الانسان " من نار السموم " قال ابن عباس هي السموم التي تقتل وقال بعضهم السموم بالليل والنهار ومنهم من يقول السموم بالليل والحرور بالنهار، وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن أبي إسحق قال دخلت على عمر الأعصم أعوده فقال ألا أحدثك حديثا سمعته من عبد الله بن مسعود يقول هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجان ثم قرأ " والجان خلقناه من قبل من نار السموم " وعن ابن عباس إن الجان خلق من لهب النار وفي رواية من أحسن النار وعن عمرو بن دينار من نار الشمس وقد ورد في الصحيح " خلقت الملائكة من نور وخلقت الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم " والمقصود من الآية التنبيه على شرف آدم عليه السلام وطيب عنصره وطهارة محتده.
وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون (28) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (29) فسجد الملائكة كلهم أجمعون (30) إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين (31) قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين (32) قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون (33) يذكر تعالى تنويهه بذكر آدم في ملائكته قبل خلقه له وتشريفه إياه بأمر الملائكة بالسجود له ويذكر تخلف إبليس عدوه عن السجود له من بين سائر الملائكة حسدا وكفرا وعنادا واستكبارا وافتخارا بالباطل ولهذا قال " لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون " كقوله " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " وقوله " أرأيتك هذا الذي كرمت علي " الآية. وقد روى ابن جرير ههنا أثرا غريبا عجيبا من حديث شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس قال لما خلق الله الملائكة قال " إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قالوا لا نفعل فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة أخرى فقال لهم مثل ذلك فقالوا سمعنا وأطعنا إلا إبليس كان من الكافرين الأولين وفي ثبوت هذا عنه بعد والظاهر أنه إسرائيلي والله أعلم.