باتباعه - صلى الله عليه وسلم - والايمان بمبعثه والاقتداء بشريعته. ولهذا قال ليث بن أبي سليم عن مجاهد في قوله " وما أنزل إليكم من ربكم " يعني القرآن العظيم وقوله " ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " تقدم تفسيره " فلا تأس على القوم الكافرين " أي فلا تحزن عليهم ولا يهيبنك ذلك منهم ثم قال " إن الذين آمنوا " وهم المسلمون " والذين هادوا " وهم حملة التوراة " والصابئون " لما طال الفصل حسن العطف بالرفع والصابئون طائفة من النصارى والمجوس ليس لهم دين قاله مجاهد وعنه من اليهود والمجوس وقال سعيد بن جبير من اليهود والنصارى وعن الحسن والحكم إنهم كالمجوس وقال قتادة هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى غير القبلة ويقرؤون الزبور وقال وهب بن منبه هم قوم يعرفون الله وحده وليست لهم شريعة يعملون بها ولم يحدثوا كفرا وقال ابن وهب أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه قال هم قوم مما يلي العراق وهم بكوثي وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون كل سنة ثلاثين يوما ويصلون كل يوم خمس صلوات وقيل غير ذلك وأما النصارى فمعروفون وهم حملة الإنجيل والمقصود أن كل فرقة آمنت بالله وباليوم الآخر وهو الميعاد والجزاء يوم الدين وعملت عملا صالحا ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون موافقا للشريعة المحمدية بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثقلين فمن اتصف بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا على ما تركوا وراء ظهورهم ولا هم يحزنون وقد تقدم الكلام على نظيراتها في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا.
لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون (70) وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون (71) يذكر تعالى أنه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السمع والطاعة لله ولرسله فنقضوا تلك العهود والمواثيق واتبعوا آراءهم وأهواءهم وقدموا على الشرائع فما وافقهم منها قبلوه وما خالفهم ردوه ولهذا قال تعالى " كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون وحسبوا أن لا تكون فتنة " أي وحسبوا أن لا يترتب لهم شر على ما صنعوا فترتب وهو أنهم عموا عن الحق وصموا فلا يسمعون حقا ولا يهتدون إليه ثم تاب الله عليهم أي مما كانوا فيه ثم عموا وصموا " أي بعد ذلك " كثير منهم والله بصير بما يعملون " أي مطلع عليهم وعليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية منهم.
لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار (72) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم (73) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم (74) ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام أنظر كيف نبين لهم الآيات ثم أنظر أنى يؤفكون (75) يقول تعالى حاكما بتكفير فرق النصارى: من الملكية واليعقوبية والنسطورية ممن قال منهم بأن المسيح هو الله تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علوا كبيرا هذا وقد تقدم لهم أن المسيح عبد الله ورسوله وكان أول كلمة نطق بها وهو