من كراهة وعاد ذلك كله محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك أبا محذورة على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه مسلم في صحيحه وأهل السنن الأربعة من طريق عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة واسمه سمرة بن معير بن لوذان أحد مؤذني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأربعة وهو مؤذن أهل مكة وامتدت أيامه - رضي الله عنه - وأرضاه.
قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون (59) قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل (60) وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون (61) وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون (62) لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون (63) يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من أهل الكتاب: " هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل " أي هل لكم علينا مطعن أو عيب إلا هذا؟ وهذا ليس بعيب ولا مذمة. فيكون الاستثناء منقطعا كما في قوله تعالى " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " وكقوله " وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله " وفي الحديث المتفق عليه " ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله " وقوله " وأن أكثركم فاسقون " معطوف على " أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل " أي وآمنا بأن أكثركم فاسقون أي خارجون عن الطريق المستقيم.
ثم قال " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله " أي هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا؟
وهم أنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله " من لعنه الله " أي أبعده من رحمته " وغضب عليه " أي غضبا لا يرضى بعده أبدا " وجعل منهم القردة والخنازير " كما تقدم بيانه في سوره البقرة وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف وقد قال سفيان الثوري عن علقمة بن يزيد عن المغيرة بن عبد الله عن المعرور بن سويد عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القردة والخنازير أهي مما مسخ الله فقال " إن الله لم يهلك قوما أو قال لم يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عقبا وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك " وقد رواه مسلم من حديث سفيان الثوري ومسعر كلاهما عن مغيرة بن عبد الله اليشكري به وقال أبو داود الطيالسي حدثنا داود بن أبي الفرات عن محمد بن زيد عن أبي الأعين المعبدي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القردة والخنازير أهي من نسل اليهود فقال " لا إن الله لم يلعن قوما قط فيمسخهم فكان لهم نسل ولكن هذا خلق كان فلما غضب الله على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم " ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات به وقال ابن مردويه حدثنا عبد الباقي حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح حدثنا الحسن بن محبوب حدثنا عبد العزيز بن المختار عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة والخنازير " هذا حديث غريب جدا وقوله تعالى " وعبد الطاغوت " قرئ وعبد الطاغوت على أنه فعل ماض والطاغوت منصوب به أي وجعل منهم عبد الطاغوت وقرئ وعبد الطاغوت بالإضافة على أن المعنى وجعل منهم خدم الطاغوت أي خدامه وعبيده وقرئ وعبد الطاغوت على أنه جمع الجمع عبد وعبيد وعبد مثل ثمار وثمر حكاها ابن جرير عن