غيظا وقال شعبة عن أبي إسحاق أبي هبيرة ابن مريم عن عبد الله أنه قال ذلك أيضا. وقد اختاره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ووجهه ابن جرير مختارا له بقوله تعالى عن المنافقين " وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " وقال العوفي عن ابن عباس لما سمعوا كلام الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به الآية يقولون لا نصدقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكا قويا.
* قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين (10) قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (11) وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون (12) يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة وذلك أن أممهم لما واجهوهم بالشك فيما جاءوهم به من عبادة الله وحده لا شريك له قالت الرسل " أفي الله شك " وهذا يحتمل شيئين " أحدهما " أفي وجوده شك فإن الفطر شاهدة بوجوده ومجبولة على الاقرار به فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه " فاطر السماوات والأرض " الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليهما فلا بد لهما من صانع وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شئ وإلهه ومليكه، والمعنى الثاني في قولهم " أفي الله شك " أي أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك وهو الخالق لجميع الموجودات ولا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى، وقالت لهم رسلهم " يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم " أي في الدار الآخرة " ويؤخركم إلى أجل مسمى " أي في الدنيا كما قال تعالى " وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله " الآية فقالت لهم الأمم محاجين في مقام الرسالة بعد تقدير تسليمهم المقام الأول وحاصل ما قالوه " إن أنتم إلا بشر مثلنا " أي كيف نتبعكم بمجرد قولكم ولما نر منكم معجزة " فأتونا بسلطان مبين " أي خارق نقترحه عليكم " قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم " أي صحيح إنا بشر مثلكم في البشرية " ولكن الله يمن على من يشاء من عباده " أي بالرسالة والنبوة " وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان " على وفق ما سألتم " إلا بإذن الله " أي بعد سؤالنا إياه وإذنه لنا في ذلك " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " أي في جميع أمورهم، ثم قالت الرسل " وما لنا أن لا نتوكل على الله " أي وما يمنعنا من التوكل عليه وقد هدانا لاقوم الطرق وأوضحها وأبينها " ولنصبرن على ما آذيتمونا " أي من الكلام السئ والافعال السخيفة " وعلى الله فليتوكل المتوكلون ".
وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين (13) ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد (14) واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد (15) من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد (16) يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ (17)