وقوله " فإن انتهوا " أي بقتالكم عما هم فيه من الكفر فكفوا عنه وإن لم تعلموا بواطنهم " فإن الله بما يعملون بصير " كقوله " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " الآية. وفي الآية الأخرى " فإخوانكم في الدين " وقال " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لما علا ذلك الرجل بالسيف فقال لا إله إلا الله فضربه فقتله فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأسامة " أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ وكيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ " فقال يا رسول الله إنما قالها تعوذا قال " هلا شققت عن قلبه؟ " وجعل يقول ويكرر عليه " من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ " قال أسامة حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت إلا يومئذ وقوله " وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير " أي وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم فاعلموا أن مولاكم وسيدكم وناصركم على أعدائكم فنعم المولى ونعم النصير. وقال محمد بن جرير حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد حدثنا أبي حدثنا أبان العطار حدثنا هشام بن عروة عن عروة أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن أشياء فكتب إليه عروة: سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وسأخبرك به ولا حول ولا قوة إلا بالله كان من شأن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة أن الله أعطاه النبوة فنعم النبي ونعم السيد ونعم العشيرة فجزاه الله خيرا وعرفنا وجهه في الجنة وأحيانا على ملته وأماتنا وبعثنا عليها وأنه لما دعا قومه لما بعثه الله به من الهدى والنور الذي أنزل عليه لم يبعدوا منه أول ما دعاهم إليه وكانوا يسمعون له حتى إذا ذكر طواغيتهم وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال أنكر ذلك عليه ناس واشتدوا عليه وكرهوا ما قال وأغروا به من أطاعهم فانعطف عنه عامة الناس فتركوه إلا من حفظه الله منهم وهم قليل فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم فكانت فتنة شديدة الزلزال فافتتن من افتتن وعصم الله من شاء منهم فلما فعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي لا يظلم أحد بأرضه وكان يثنى عليه مع ذلك وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها وكانت مساكن لتجارهم يجدون فيها رفاغا من الرزق وأمنا ومتجرا حسنا فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة وخافوا عليهم الفتن ومكث هو فلم يبرح فمكث بذلك سنوات يشتدون على من أسلم منهم ثم إنه فشا الاسلام فيها ودخل فيه رجال من أشرافهم ومنعتهم فلما رأوا ذلك استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وكانت الفتنة الأولى هي التي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أرض الحبشة مخافتها وفرارا مما كانوا فيه من الفتن والزلزال فلما استرخى عنهم ودخل في الاسلام من دخل منهم تحدث باسترخائهم عنهم فبلغ من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد استرخى عمن كان منهم بمكة وأنهم لا يفتنون فرجعوا إلى مكة وكادوا يأمنون بها وجعلوا يزدادون ويكثرون وأنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير وفشا الاسلام بالمدينة وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلما رأت قريش ذلك توامروا على أن يفتنوهم ويشتدوا فأخذوهم فحرصوا على أن يفتنوهم فأصابهم جهد شديد فكانت الفتنة الآخرة فكانت فتنتان فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها وأذن لهم في الخروج إليها وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة ثم إنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نقيبا رؤوس الذين أسلموا فوافوه بالحج فبايعوه بالعقبة وأعطوه عهودهم ومواثيقهم على أنا منك وأنت منا وعلى أن من جاء من أصحابك أو جئتنا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا فاشتدت عليهم قريش عند ذلك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وخرج هو. وهي التي أنزل الله عز وجل فيها " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ثم رواه عن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير أنه كتب إلى الوليد يعني ابن عبد الملك بن مروان بهذا فذكر مثله وهذا صحيح إلى عروة رحمه الله.
(٣٢٢)