له حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم وتبرأ منهم عند ذلك قلت يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى " كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين " وقوله تعالى " وقال الشيطان لما قضي الامر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما كف بصره يقول: لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس وأوحى الله إليهم أني معكم فثبتوا الذين آمنوا وتثبيتهم أن الملائكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول له أبشر فإنهم ليسوا بشئ والله معكم فكروا عليهم فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون وهو في صورة سراقة وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه. ثم قال واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا وهذا من أبي جهل لعنه الله كقول فرعون للسحرة لما أسلموا " إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها " وكقوله " إنه لكبيركم الذي علمكم السحر " وهو من باب البهت والافتراء ولهذا كان أبو جهل فرعون هذه الأمة.
وقال مالك بن أنس عن إبراهيم بن أبي علية عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما رأى إبليس يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة وذلك مما يرى من نزول الرحمة والعفو عن الذنوب إلا ما رأى يوم بدر ". قالوا يا رسول الله وما رأى يوم بدر؟ قال " أما إنه رأى جبريل عليه السلام يزغ الملائكة ".
وهذا مرسل من هذا الوجه.
وقوله " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين وقلل المشركين في أعين المسلمين فقال المشركون غر هؤلاء دينهم وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم فظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك فقال الله " ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم " وقال قتادة: رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لأمر الله وذكر لنا أن أبا جهل عدو الله لما أشرف على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال: والله لا يعبد الله بعد اليوم - قسوة وعتوا. وقال ابن جريج في قوله " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض " هم قوم كانوا من المنافقين بمكة قالوه يوم بدر وقال عامر الشعبي كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالاسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر فلما رأوا قلة المسلمين قالوا غر هؤلاء دينهم. وقال مجاهد في قوله عز وجل " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم " قال فئة من قريش قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب وعلي بن أمية بن خلف والعاص بن منبه بن الحجاج خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا غر هؤلاء دينهم حتى قدموا على ما قدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم وكذا قال محمد بن إسحاق بن يسار سواء. وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الاعلى حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الحسن في هذه الآية. قال هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين قال معمر وقال بعضهم هم قوم كانوا أقروا بالاسلام وهم بمكة فخرجوا مع المشركين يوم بدر فلما رأوا قلة المسلمين قالوا غر هؤلاء دينهم وقوله " ومن يتوكل على الله " أي يعتمد على جنابه " فإن الله عزيز " أي لا يضام من التجأ إليه فإن الله عزيز منيع الجناب عظيم السلطان " حكيم " في أفعاله لا يضعها إلا في مواضعها فينصر من يستحق النصر ويخذل من هو أهل لذلك.