القسمة وقوله " يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير " ينبه تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه بما فرق به بين الحق والباطل ببدر ويسمى الفرقان لان الله أعلى فيه كلمة الايمان على كلمة الباطل وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه قال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس: يوم الفرقان يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل رواه الحاكم. وكذا قال مجاهد ومقسم وعبيد الله بن عبد الله والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان وغير واحد أنه يوم بدر وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير في قوله " يوم الفرقان " يوم فرق الله بين الحق والباطل وهو يوم بدر وهو أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة أو سبع عشرة مضت من رمضان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلثمائة وبضعة عشر رجلا والمشركون بين الألف والتسعمائة فهزم الله المشركين وقتل منهم زيادة على السبعين وأسر منهم مثل ذلك وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن ابن مسعود قال في ليلة القدر: تحروها لاحدى عشرة يبقين فإن في صبيحتها يوم بدر. وقال على شرطهما وروى مثله عن عبد الله بن الزبير أيضا من حديث جعفر بن برقان عن رجل عنه وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح حدثنا يحيى بن يعقوب أبو طالب عن ابن عون عن محمد بن عبد الله الثقفي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال الحسن بن علي كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من رمضان إسناد جيد قوى ورواه ابن مردويه عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب عن علي قال: كانت ليلة الفرقان ليلة التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشر مضت من شهر رمضان وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير وقال يزيد بن أبي حبيب إمام أهل الديار المصرية في زمانه: كان يوم بدر يوم الاثنين ولم يتابع على هذا وقول الجمهور مقدم عليه والله أعلم.
إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم (42) يقول تعالى مخبرا عن يوم الفرقان " إذ أنتم بالعدوة الدنيا " أي إذ أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة " وهم " أي المشركون نزول " بالعدوة القصوى " أي البعيدة من المدينة إلى ناحية مكة " والركب أي العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة " أسفل منكم " أي مما يلي سيف البحر " ولو تواعدتم أي أنتم والمشركون إلى مكان " لاختلفتم في الميعاد " قال محمد بن إسحاق وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه في هذه الآية قال ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما لقيتموهم " ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا " أي ليقضي الله ما أراد بقدرته من إعزاز الاسلام وأهله وإذلال الشرك وأهله من غير ملا منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه وفي حديث كعب بن مالك قال إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد وقال ابن جرير حدثني يعقوب حدثني بن علية عن ابن عون عن عمير بن إسحاق قال: أقبل أبو سفيان في الركب من الشام وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فالتقوا ببدر ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاء حتى التقى السقاة ونهد الناس بعضهم لبعض وقال محمد بن إسحاق في السيرة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه ذلك حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين يلتمسان الخبر عن أبي سفيان فانطلقا حتى إذا وردا بدرا فأناخا بعيريهما إلى تل من البطحاء فاستقيا في شن لهما من الماء فسمعا جاريتين يختصمان تقول إحداهما لصاحبتها اقضيني حقي وتقول الأخرى إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأقضيك حقك فخلص بينهما مجدي بن عمرو وقال صدقت فسمع بذلك بسبس وعدي فجلسا على بعيريهما حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه الخبر وأقبل أبو سفيان حين وليا وقد حذر فتقدم أمام عيره وقال لمجدي بن عمرو هل أحسست على هذا الماء من