طالب الذي كان يحوطه وينصره ويقوم باعبائه والدليل على صحة ما قلنا ما روى الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: وحدثني الكلبي عن باذان مولى أم هانئ عن ابن عباس أن نفرا من قريش من أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل فلما رأوه قالوا له من أنت؟ قال شيخ من أهل نجد سمعت أنكم اجتمعتم فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي: قالوا أجل ادخل فدخل معهم فقال انظروا في شأن هذا الرجل والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره فقال قائل منهم أحبسوه في وثاق ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم قال فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال والله ما هذا لكم برأي والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم. قالوا صدق الشيخ فانظروا في غير هذا. قال قائل منهم أخرجوه من بين أظهركم فتستريحوا منه فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعن عليه ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم. قالوا صدق والله فانظروا رأيا غير هذا قال: فقال أبو جهل لعنه الله: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد لا أرى غيره قالوا وما هو؟ قال تأخذون من كل قبيلة غلاما شابا وسطا نهدا ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما ثم يضربونه ضربة رجل واحد فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها فما أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه قال: فقال الشيخ النجدي هذا والله الرأي القول ما قال الفتى لا أرى غيره قال فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأخبره بمكر القوم فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة وأذن الله له عند ذلك بالخروج وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة الأنفال يذكر نعمه عليه وبلاءه عنده " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " وأنزل في قولهم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " فكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة للذي اجتمعوا عليه من الرأي وعن السدي نحو هذا السياق وأنزل الله في إرادتهم اخراجه قوله تعالى " وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا " وكذا روى العوفي عن ابن عباس وروى عن مجاهد وعروة بن الزبير وموسى بن عقبة وقتادة ومقسم وغير واحد نحو ذلك وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أمر الله حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به وأرادوا به ما أرادوا أتاه جبريل عليه السلام فأمره أن لا يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويستجي ببرد له أخضر ففعل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه وخرج معه بحفنة من تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وأخذ الله بأبصارهم عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ " يس والقرآن الحكيم " - إلى قوله - " فأغشيناهم فهم لا يبصرون " وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: روي عن عكرمة ما يؤكد هذا وقد روى ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال " ما يبكيك يا بنية؟ " قالت يا أبت ومالي لا أبكي وهؤلاء الملا من قريش في الحجر يتعاهدون باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك فقال " يا بنية ائتني بوضوء " فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى المسجد فلما رأوه قالوا ها هو ذا فطأطأوا رؤوسهم وسقطت رقابهم بين أيديهم فلم يرفعوا أبصارهم فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم بها وقال " شاهت الوجوه ". فما أصاب رجلا منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافرا ثم قال الحاكم صحيح على شرط
(٣١٥)