من ذهب إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر على قولين والله أعلم ويقال إنهم لما صوت لهم العجل رقصوا حوله وافتتنوا به وقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي قال الله تعالى " أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا " وقال في هذه الآية الكريمة " ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا " ينكر تعالى عليهم في ضلالهم بالعجل وذهولهم عن خالق السماوات والأرض ورب كل شئ ومليكه أن عبدوا معه عجلا جسدا له خوار لا يكلمهم ولا يرشدهم إلى خير ولكن غطى على أعين بصائرهم عمى الجهل والضلال كما تقدم من رواية الإمام أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حبك الشئ يعمي ويصم " وقوله " ولما سقط في أيديهم " أي ندموا على ما فعلوا " ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا " وقرأ بعضهم لئن لم ترحمنا بالتاء المثناة من فوق " ربنا " منادى " ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين " أي من الهالكين وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى الله عز وجل.
ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين (150) قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين (151) يخبر تعالى أن موسى عليه السلام رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف قال أبو الدرداء أشد الغضب " قال بئسما خلفتموني من بعدي " يقول بئس ما صنعتم في عبادة العجل بعد أن ذهبت وتركتكم وقوله " أعجلتم أمر ربكم " يقول استعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدر من الله تعالى وقوله " وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه " قيل: كانت الألواح من زمرد. وقيل من ياقوت وقيل من برد. وفي هذا دلالة على ما جاء في الحديث " ليس الخبر كالمعاينة " ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبا على قومه وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبا لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة وقد رده ابن عطية وغير واحد من العلماء وهو جدير بالرد وكأنه تلقاه قتادة عن بعض أهل الكتاب وفيهم كذابون ووضاعون وأفاكون وزنادقة وقوله " وأخذ برأس أخيه يجره إليه " خوفا أن يكون قد قصر في نهيهم قال في الآية الأخرى " قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن أفعصيت أمري * قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي * إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي " وقال ها هنا " ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين " أي لا تسوقني سياقهم وتجعلني معهم وإنما قال " ابن أم ليكون أرق وأنجع عنده وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه فلما تحقق موسى عليه السلام براءة ساحة هارون عليه السلام كما قال تعالى " ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري " فعند ذلك " قال " موسى " رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين " وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا عفان ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يرحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر أخبره ربه عز وجل أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح ".
إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين (152) والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم (153)