السلام وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " فلما تم الميقات وعزم موسى على الذهاب إلى الطور كما قال تعالى " يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن " الآية فحينئذ استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون ووصاه الاصلاح وعدم الافساد. هذا تنبيه وتذكير وإلا فهارون عليه السلام نبي شريف كريم على الله له وجاهة وجلالة صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء.
ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن أستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين (143) يخبر تعالى عن موسى عليه السلام أنه لما جاء لميقات الله تعالى وحصل له التسليم من الله سأل الله تعالى أن ينظر إليه فقال " رب أرني أنظر إليك قال لن تراني " وقد أشكل حرف لن ههنا على كثير من العلماء لأنها موضوعة لنفي التأبيد فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة وهذا أضعف الأقوال لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة كما سنوردها عند قوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " وقوله تعالى إخبارا عن الكفار " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " وقيل إنها لنفي التأبيد في الدنيا جمعا بين هذه الآية وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة وقيل إن هذا الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير " وقد تقدم ذلك في الانعام وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام " يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده " ولهذا قال تعالى " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا " قال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: حدثنا أحمد بن سهيل الواسطي حدثنا قرة بن عيسى حدثنا الأعمش عن رجل عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما تجلى ربه للجبل أشار بأصبعه فجعله دكا " وأرانا أبو إسماعيل بأصبعه السبابة هذا الاسناد فيه رجل مبهم لم يسم ثم قال حدثني المثنى حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد عن ليث عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " قال " هكذا بأصبعه " ووضع النبي صلى الله عليه وسلم أصبعه الابهام على المفصل الاعلى من الخنصر " فساخ الجبل " هكذا وقع في هذه الرواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ليث عن أنس كما قال ابن جرير: حدثني المثنى حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال:
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " قال " ووضع الابهام قريبا من طرف خنصره " قال " فساخ الجبل " قال حميد لثابت يقول هكذا فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس وأنا أكتمه؟ وهذا رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " فلما تجلى ربه للجبل " قال: قال " هكذا " يعني أنه أخرج طرف الخنصر. قال أحمد أرانا معاذ فقال له حميد الطويل ما تريد إلى هذا يا أبا محمد قال: فضرب صدره ضربة شديدة وقال من أنت يا حميد وما أنت يا حميد يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما تريد إليه؟ وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق عن معاذ بن معاذ به وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة به ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق عن حماد بن سلمة به وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ورواه أبو محمد الحسن بن محمد بن علي الخلال عن محمد بن علي بن سويد عن أبي القاسم البغوي عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة فذكره وقال هذا إسناد