بأحسنها " قال سفيان بن عيينة ثنا أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: أمر موسى عليه السلام أن يأخذ بأشد ما أمر قومه وقوله " سأوريكم دار الفاسقين " أي سترون عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب قال ابن جرير: وإنما قال " سأوريكم دار الفاسقين " كما يقول القائل لمن يخاطبه سأريك غدا إلى ما يصير إليه حال من خالف أمري على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره نقل معنى ذلك عن مجاهد والحسن البصري وقيل معناه " سأوريكم دار الفاسقين " أي من أهل الشام وأعطيكم إياها وقيل منازل قوم فرعون والأول أولى والله أعلم لان هذا كان بعد انفصال موسى وقومه عن بلاد مصر وهو خطاب لبني إسرائيل قبل دخولهم التيه والله أعلم.
سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146) والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (147) يقول تعالى " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق " أي سأمنع فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي ويتكبرون على الناس بغير حق أي كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل كما قال تعالى " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " وقال تعالى " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " وقال بعض السلف لا ينال العلم حيي ولا مستكبر وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا. وقال سفيان بن عيينة في قوله " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق " قال أنزع عنهم فهم القرآن وأصرفهم عن آياتي قال ابن جرير: وهذا يدل على أن هذا خطاب لهذه الأمة. قلت: ليس هذا بلازم لان ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة ولا فرق بين أحد وأحد في هذا والله أعلم وقوله " وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها " كما قال تعالى " إن الذين حقت عليه كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " وقوله " وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا " أي وإن ظهر لهم سبيل الرشد أي طريق النجاة لا يسلكوها وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضلال يتخذوه سبيلا ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله " ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا " أي كذبت بها قلوبهم " وكانوا عنها غافلين " أي لا يعلمون شيئا مما فيها وقوله " والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم " أي من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات حبط عمله وقوله " هل يجزون إلا ما كانوا يعملون " أي إنما نجازيهم بحسب أعمالهم التي أسلفوها إن خيرا فخير وإن شرا فشر وكما تدين تدان.
واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين (148) ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين (149) يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم فشكل لهم منه عجلا ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلام فصام فصار عجلا جسدا له خوار والخوار صوت البقر وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات الله تعالى فأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور حيث يقول تعالى إخبارا عن نفسه الكريمة قال " فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري " وقد اختلف المفسرون في هذا العجل هل صار لحما ودما له خوار أو استمر على كونه