إبراهيم أكمل منه فيها لأنه عليه السلام قام بها قياما عظيما وأكملت له إكمالا تاما لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال ولهذا كان خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم على الاطلاق وصاحب المقام المحمود الذي يرغب إليه الخلق حتى الخليل عليه السلام. وقد قال ابن مردويه حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة أنبأنا سلمة بن كهيل سمعت ذر بن عبد الله الهمداني يحدث عن ابن أبزى عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال " أصبحنا على ملة الاسلام وكلمة الاخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ". وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد أخبرنا محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب إلى الله تعالى؟ قال " الحنيفية السمحة ". وقال أحمد أيضا حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: وضع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ذقني على منكبه لأنظر إلى زفن الحبشة حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه. قال عبد الرحمن عن أبيه قال: قال لي عروة إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني أرسلت بحنيفية سمحة " أصل الحديث مخرج في الصحيحين والزيادة لها شواهد من طرق عدة وقد استقصيت طرقها في شرح البخاري ولله الحمد والمنة وقوله تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك فإن صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له وهذا كقوله تعالى " فصل لربك وانحر " أي أخلص له صلاتك وذبحك فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والاقبال بالقصد والنية والعزم على الاخلاص لله تعالى.
قال مجاهد في قوله " إن صلاتي ونسكي " النسك الذبح في الحج والعمرة. وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير " ونسكي " قال ذبحي. وكذا قال السدي والضحاك وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عوف حدثنا أحمد بن خالد الذهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد النحر بكبشين وقال حين ذبحهما " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين وقوله عز وجل " وأنا أول المسلمين " قال قتادة أي من هذه الأمة وهو كما قال فإن جميع الأنبياء قبله كلهم كانت دعوتهم إلى الاسلام وأصله عبادة الله وحده لا شريك له كما قال " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " وقد أخبرنا تعالى عن نوح أنه قال لقومه " فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين " وقال تعالى " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وقال يوسف عليه السلام " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين " وقال موسى " يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين " وقال تعالى " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار " الآية. وقال تعالى " وإذا أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون " فأخبر تعالى أنه بعث رسله بالاسلام ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضا إلى أن نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تنسخ أبد الآبدين ولا تزال قائمة منصورة وأعلامها منشورة إلى قيام الساعة. ولهذا قال عليه السلام " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد " فإن أولاد العلات هم الاخوة من أب واحد وأمهات شتى فالدين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات كما أن إخوة الأخياف عكس هذا بنو الام